الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك غير واضح، وإن كنت تعني به: حزنك على والدك، فنقول: قد استأثر الله بالبقاء، وكتب على جميع خلقه الموت والفناء، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ {العنكبوت:57}. فعليك أن تصبر على موت أبيك -رحمه الله-, وأن تدعو له بالمغفرة والرحمة, وأن تعزي نفسك في موته بالمصيبة الأكبر، والبلية الأعظم، وهي: موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال صلوات الله عليه: ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي. رواه مالك في الموطأ. فهون عليك, واعلم أن هذه هي سنة الله في خلقه، ويعينك على التصبر والتجلد: ما وعد الله الصابرين من المثوبة العظيمة, والجزاء الجزيل، وأن تعلم أن الجزع لا يرد غائبا، ولا ينشر ميتا، بل من رضي فله الرضا وقدر الله ماض, ومن سخط فله السخط وقدر الله ماض، فتعز عن أبيك بما ذكرناه, ونحوه، وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الخلق قد أصيب الناس به أعظم مصاب, ومع ذا فقد عاشوا بعده, وتقلبوا في أمورهم, ولم يتوقفوا عن السعي لمعاشهم ومعادهم، فأقبل على شأنك, واعلم أن أباك لا ينفعه حزنك عليه, ولا جزعك لموته, وإنما ينفعه دعوة تدعو بها له, أو عمل صالح تهب ثوابه له.
ونصيحتنا لك هي: أن تقبل على شأنك, وأن تدع هذا الحزن, وأن تجتهد في العمل لآخرتك, فإنه مصيبك ما أصاب أباك من الموت، ويوم القيامة يفر المرء من أخيه, وأمه, وأبيه, ولا يغني عن المرء إلا ما قدم من صالح عمله.
والله أعلم.