الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول الله -عز وجل-: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {البقرة:194}، ويقول جل وعلا: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126}، فيجوز لك رد الإساءة بالمثل فيما ليس بمحرم. وانظر الفتويين: 71999، 63221.
أما ردك على السب والضرب بالجرح المذكور: فقد جانبك الصواب في ذلك؛ حيث إن ردك للإساءة لم يكن بمثلها, ولا من جنسها.
وعليك أن تستحله مما فعلت، فإن سامحك فبها ونعمت، وأما إن طلب القصاص: فيشترط لمشروعية ذلك: إمكانية حصول العدل في القصاص, وأمن التعدي، وإلا فلا, ويرجع في ذلك لأهل الاختصاص؛ قال ابن قدامة في المغني: يشترط لوجوب القصاص في الجروح ثلاثة أشياء: ... الثالث: إمكان الاستيفاء من غير حيف، ولا زيادة؛ لأن الله تعالى قال: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به {النحل: 126}, وقال: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم {البقرة: 194}, ولأن دم الجاني معصوم إلا في قدر جنايته، فما زاد عليها يبقى على العصمة، فيحرم استيفاؤه بعد الجناية، كتحريمه قبلها، ومن ضرورة المنع من الزيادة المنع من القصاص؛ لأنها من لوازمه، فلا يمكن المنع منها إلا بالمنع منه، وهذا لا خلاف فيه نعلمه. اهـ.
وأما إن طلب دية أو تعويضًا: فإن دية الجراح تختلف من جرح لآخر، ومنها ما فيه دية مقدرة، ومنها ما ليس كذلك، فأما ما ليس فيه دية مقدرة, فيجب فيه ما يطلق عليه حكومة عدل، والمراد به: ما يقدره المختصون من أهل الخبرة العدول بالاجتهاد وإعمال الفكر فيما يستحقه المجني عليه.
والله أعلم.