الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أفضلية قبول الهبة؛ لما في الصحيحين عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ العطاء فيقول له عمر: أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك.
وفي رواية لمسلم:"قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه.
قال النووي: واختلف العلماء فيمن جاءه مال، هل يجب قبوله أم يندب، على ثلاثة مذاهب، حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحب في غير عطية السلطان، وأما عطية السلطان فحرمها قوم وأباحها قوم وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا ان أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ، وقالت طائفة: الأخذ واجب من السلطان وغيره، وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره.
وقال سماحة الشيخ ابن عثيمين: وإذا أعطاك أحد شيئا فاقبله؛ لأن رد العطية والهدية قد يحمل من أعطاك على كراهيتك، فيقول: هذا الرجل مستكبر هذا الرجل متغطرس وما أشبه ذلك، فالذي ينبغي أن من أعطاك بغير مسألة تقبل منه، إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يمن به عليه في المستقبل فيقول: أنا أعطيتك أنا فعلت معك كذا وكذا وما أشبه ذلك، فهنا يرده؛ لأنه إذا خشي أن يقطع المعطي رقبته بالمنة وما أشبه ذلك فليحم نفسه من هذا.
وعلى هذا ينظر في مآلات قبول تلك الهبة، فإن وجد فيها ما لا تحمد عقباه من منة أو مداهنة في حقوق الله وغير ذلك، فهنا يترجح الامتناع عن قبولها، وإلا فالأصل أن قبول الهبة أفضل كما ذكرنا.
والله أعلم.