الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السخرية بالمسلم محرمة في الشرع، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الحجرات:11}.
وأما الضحك من سماع زلة لسان مسلم: فالأصل أنه منهي عنه، إلا إن غلب على الشخص دون اختيار منه، فقد أخرج مسلم في صحيحيه: عن الأسود، قال: دخل شباب من قريش على عائشة وهي بمنى، وهم يضحكون، فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلان خر على طنب فسطاط، فكادت عنقه، أو عينه أن تذهب، فقالت: لا تضحكوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يشاك شوكة، فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة»، قال عياض : الضحك في مثل هذا غير مستحسن ولا مباح، إلا أن يكون من غلبة مما طبع عليه البشر، وأما قصداً ففيه شماتة بالمسلم وسخرية بمصابه، والمؤمنون إنما وصفهم الله بالرحمة والتراحم بينهم ومن خلقهم الشفقة بعضهم لبعض.اهـ. من إكمال المعلم .
وقال النووي: فيه النهي عن الضحك من مثل هذا إلا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه، وأما تعمده فمذموم لأن فيه إشماتا بالمسلم وكسرا لقلبه.اهـ. من شرحه لمسلم .
ولا يجوز لأصدقائك أن يذكروك بزلة لسانك لأجل السخرية، والمسلم يحرص على صون لسانه، بعدم الإكثار من الحديث دون فائدة، ويدرب نفسه على آداب الحديث، وحسن المنطق، ونحو ذلك، وبكل حال: فإذا كان أصدقاؤك بهذه الحال من السخرية بك فليسوا أهلا لأن تتخذهم رفقاء، فلتلتمس رفقة صالحة تبادلك التقدير والاحترام، فذلك أولى من أن تكلف نفسك تقويم لسانك اتقاء لسخرية أصدقائك أولئك.
وينبغي لك ألا تعير كلام الناس كبير اهتمام، فلا يكاد أحد مهما كمُل يسلم من طاعن وساخر، وما أجمل قول ابن حزم: العقل والراحة وهو اطراح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل، بل هذا باب العقل والراحة كلها، من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون. اهـ من الأخلاق والسير .
ومع ذلك : فالعاقل يسعى في إصلاح عيوبه، واستكمال نقائصه، قدر ما يستطيع، وأما العيوب التي لا يدان له بإصلاحها كالعيوب الخَلقية، فلا ريب في أنه لا ملامة عليه فيها.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 121875.
والله أعلم.