الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس لدينا ما يجزم في سبب ما حصل لك، ولكنا نبشرك بأن التوبة قد تعهد الله تعالى بقبولها ممن تاب صادقًا مخلصًا؛ فقد قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى: 25 }، وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 39 }، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء}، وقال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ {النساء:17}، وقال عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تبارك وتعالى-: ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي، وحسنه، وصححه الألباني. وقال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
ثم إن الخوف من النفاق مؤشر خير، ما لم يحمل على القنوط من رحمة الله أو الوسوسة؛ فإنه ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق؛ كما قال الحسن البصري، وقد كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يسأل حذيفة بن اليمان فيقول: هل عدني لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين؟ فيقول: لا.
وقال البخاري -رحمه الله-: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: «مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا»، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: "أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ" وَيُذْكَرُ عَنِ الحَسَنِ: "مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ." اهـ.
وعليك أن تكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وأن تجمع مع خوفك من الله تعالى حسن الظن به، والرجاء لفضله ومثوبته، وأكثر التفكر في صفات جماله، كالرحمة، والحلم, والبر, والرفق, واللطف, ونحوها من صفاته التي تملأ القلب حبًّا له, ووثوقًا به، ورجاء لفضله تعالى، وبذا يحصل لك التوازن بين هذين الجناحين اللذين لا بد منهما في طريق السير إلى الله تعالى، وهما: الخوف والرجاء، وانظر الفتويين رقم: 133975، ورقم: 117814.
والله أعلم.