الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الحديث الذي فيه ذكر الكاسيات العاريات: فهو في صحيح مسلم، وقد فُسر هذان اللفظان بعدة تفسيرات؛ أشهرها: ما ذكره ابن الجوزي في كشف المشكل حيث قال -رحمه الله-: وَفِي قَوْله: ((كاسيات عاريات)) ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنَّهُنَّ يلبسن ثيابًا رقاقا تصف مَا تحتهَا، فهن كاسيات فِي الظَّاهِر، عاريات فِي الْمَعْنى. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ يكشفن بعض أجسامهن، فهن عاريات، أَي: بَعضهنَّ منكشف. وَالثَّالِث: كاسيات من نعم الله -عز وَجل- عاريات من الشُّكْر. انتهى. ويدخل في معنى الحديث أيضًا: اللباس الضيق، فقد قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لبس الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة، وتبرز ما فيه الفتنة: محرم، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ـ يعني: ظلما وعدوانا ـ ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ـ فقد فُسِّر قوله: كاسيات عاريات: بأنهن يلبسن ألبسة قصيرة، لا تستر ما يجب ستره من العورة، وفسر: بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة، وفسرت: بأن يلبسن ملابس ضيقة، فهي ساترة عن الرؤية، لكنها مبدية لمفاتن المرأة، وعلى هذا؛ فلا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس الضيقة، إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده، وهو الزوج. انتهى.
فأيما امرأة لبست الثياب القصيرة أو الشفافة أو الضيقة أو كشفت شيئا من جسمها أمام من لا يجوز لها إبداء عورتها عنده، فهي داخلة في هؤلاء النسوة الكاسيات العاريات في الدنيا، ومتوعدة كذلك بأن تكون عارية في الآخرة إن لم تتب، فقد روى البخاري عن أم سلمة قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فقال: سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ أيقظوا صواحبات الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة.
قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: فربما عوقبت في الآخرة بالتعرية والفضيحة التي كانت تبتغي في الدنيا. انتهى.
وأما معنى الحديث الثاني: فقد ذكرنا المراد منه في الفتوى رقم: 4399، فراجعها.
والله أعلم.