الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى وجه العموم ليس من العقوق أن يطلب الأبناء من أمهم نصيبهم في تركة أبيهم، والأولى في مثل هذه الحالة أن يسعى الجميع في التراضي في حل المشكلة، والاستعانة بالعقلاء والوجهاء من الناس، فالعلاقة التي تربط بين الأقرباء، ولا سيما المرأة وأولادها، أهم من أن تعرض لشيء من الوهن بسبب دنيا فانية.
وإن حصلت المشاحة، فينبغي أن تراجع المحكمة الشرعية، فهي أرجى لأن تستمع لجميع الأطراف وتطلب البينات، ويلزم القاضي الأطراف بحكمه، وهذا مما لا يتحقق في الفتوى، ومجرد مقاضاة الأم لا تعتبر عقوقا إذا لم يكن الولد ظالما، كما بيناه في الفتوى رقم: 75076.
وما يمكننا قوله على وجه العموم أيضا أن الزوج إذا وهب منفعة داره مثلا لزوجته مدة الحياة، فلا مانع من ذلك شرعا، وهذا نوع من أنواع الهبة يسمى عند أهل العلم بالعمرى، قال ابن قدامة في المغني وهو يتكلم عن العمرى والرقبى: وكلاهما جائز في قول أكثر أهل العلم .... قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن. اهـ.
والعمرى هبة لا يجوز الرجوع فيها على الصحيح من أقوال الفقهاء؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ. رواه مسلم.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: الْمُرَاد بِهِ إِعْلَامهمْ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَة صَحِيحَة مَاضِيَة، يَمْلِكهَا الْمَوْهُوب لَهُ مِلْكًا تَامًّا لَا يَعُود إِلَى الْوَاهِب أَبَدًا .. اهـ.
ويشترط للزوم العمرى القبض كغيرها من الهبات، وقد نص على هذا فقهاء الشافعية، ففي مغني المحتاج: فيعتبر الإيجاب والقبول وتلزم بالقبض... اهـ. وهذا كله فيما إن كان تبرعا ينفذ حال الحياة.
وأما إذا كان المقصود أنه أوصى بذلك ولا يتم تنفيذه إلا بعد وفاته فهذا له حكم الوصية، والوصية لا تصح لوارث ولا بأكثر من الثلث إلا إذا أجازها الورثة.
والله أعلم.