الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتداوي بألبان الإبل وأبوالها من أدواء معينة كالاستسقاء، وقد ثبت طبيًّا بالطرق العلمية في عصرنا هذا الفوائد العلاجية الكبيرة في ذلك، حتى إنه ليذكر كنموذج للإعجاز العلمي في السنة النبوية، وراجعي في ذلك الفتويين: 253702، 73717.
ولا يخفى على أحد الفرق بين الدواء والغذاء، وتفاوت حاجة الإنسان لكل منهما، فلا غرابة في أن يباح للمرء في باب التداوي ما يحرم عليه في باب الطعام في حال الاختيار، ولذلك اختلف قول أهل العلم القائلين بطهارة بول الإبل في حكم شربه في غير الضرورة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما حرم لخبث جنسه أشد مما حرم لما فيه من السرف والفخر والخيلاء؛ فإن هذا يحرم القدر الذي يقتضي ذلك منه ويباح للحاجة؛ كما أبيح للنساء لبس الذهب والحرير لحاجتهن إلى التزين ... ولهذا كان الصحيح من القولين في مذهب أحمد وغيره: جواز التداوي بهذا الضرب دون الأول كما {رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير وطلحة في لبس الحرير من حكة كانت بهما}. ونهى عن التداوي بالخمر، وقال: {إنها داء وليست بدواء} ... ولهذا استدل بإذنه للعرنيين في التداوي بأبوال الإبل وألبانها على أن ذلك ليس من الخبائث المحرمة النجسة؛ لنهيه عن التداوي بمثل ذلك؛ ولكونه لم يأمر بغسل ما يصيب الأبدان والثياب والآنية من ذلك. وإذا كان القائلون بطهارة أبوال الإبل تنازعوا في جواز شربها لغير الضرورة؛ وفيه عن أحمد روايتان منصوصتان: فذاك لما فيها من القذارة الملحق لها بالمخاط والبصاق والمني؛ ونحو ذلك من المستقذرات التي ليست بنجسة التي يشرع النظافة منها. اهـ.
وعلى القول بنجاسة بول الإبل: فإن إباحته في التداوي مراعاةً لحال الضرورة، قال ابن الصلاح في (شرح مشكل الوسيط): فيكون معناه ـ يعني حديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" ـ إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم التداوي به، أو نحو هذا من القول، فلا يدخل إذن تحته التداوي بسائر النجاسات، فإنها غير محرمة في حالة التداوي، بل في غير حالة التداوي بدلالة حديث العُرَنَيين المتفق على صحته. اهـ. وقال ابن حجر في (فتح الباري): الحديث محمول على حالة الاختيار، وأما في حال الضرورة: فلا يكون حراما كالميتة للمضطر ... أما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا: "إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم" والذرب فساد المعدة، فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه. والله أعلم. وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة، والعمل بمقتضاها كلها. اهـ. وراجعي الفتوى رقم: 12472.
والله أعلم.