الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يفرج عنكم الغم، ويكشف الكرب، ويهدي الأب ويتوب عليه ويصلح حاله، إن ربنا جواد كريم.
وقد ذكرت عن أبيك من الأفعال الشنيعة والتصرفات القبيحة ما يدل على أنه في خطر عظيم، ذكرت سلوكه مسلك بعض الطوائف المنحرفة، وتفريطه في الصلاة وأخذه للربا، وأكله أموال الناس بالباطل، وكذبه في الحديث....الخ. وهذا يعني أنه لا يرعى لله حقا، ومن كان كذلك يغلب عليه أن لا يرعى لخلقه حقا، فكان منه ما ذكرت من الإساءة لزوجته وسبها ولعنها والإساءة لأبنائه بالقسوة في التعامل معهم، وعدم الإنفاق على من تجب عليه نفقته منهم، بالإضافة إلى عدم الإنفاق على الزوجة، فهذه التصرفات جميعها لا تجوز سواء في حق أمكم أو في حقكم.
ومع هذا كله يبقى أبا لكم، له عليكم حق البر به والإحسان إليه، والصبر عليه، فلا يجوز أن يصدر منكم أي شيء يؤذيه قولا أو فعلا، فإن العقوق يحصل ولو بالشيء اليسير من الأذى، كما بين أهل العلم، وانظر فيه الفتوى رقم: 73463، والفتوى رقم: 73485، والألفاظ التي ذكرتها من نحو قولك له: أنت سبب فشل حياتنا ... الخ، تدخل في هذا فيما يظهر لنا، لأنها فيها إيذاء له، ونوصي بالدعاء له بالهداية والصلاح، فهذا من أعظم الإحسان إليه، وينبغي مناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة، وإذا جاءت هذه النصيحة من بعض الفضلاء ممن يجلهم ويكرمهم كان أفضل وأرجى لأن تؤتي النصيحة ثمارها.
وقد أحسنت أمكم بصبرها وعدم ردها على إساءته لها، فنسأل الله أن يجعل لها ذلك في ميزان حسناتها، ولتؤد إليه حقه وإن منعها حقها، فمن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا يجوز للزوجة هجر زوجها، ومنهم من رخص لها في ذلك إن كان ظالما لها، وهذا حسب المصلحة، والغالب أن لا مصلحة في ذلك، ومن حق أمك أن تأخذ من مال أبيك بدون علمه بمقدار نفقتها ونفقة ولدها، وانظر الفتوى رقم: 19453. هذا مع التنبه هنا إلى أنه إذا كان مال الأب المحرم مختلطا بمال له حلال جاز الأكل منه مع الكراهة، وإن لم يكن له إلا المال الحرام جاز الأكل منه للضرورة فقط، فمن استغنى استعف، كما بينا في الفتوى رقم: 38599.
والله أعلم.