الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا من لغو اليمين الذي عفا الله تعالى عنه فلا إثم فيه ولا كفارة، قال تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ .. {المائدة:89}.
يقول الموفق بن قدامة في المغنى: اليمين التي تمر على لسانه في عرض حديثه من غير قصد إليها لا كفارة فيها في قول أكثر أهل العلم؛ لأنها من لغو اليمين، نقل عبد الله عن أبيه أنه قال: اللغو عندي أن يحلف على اليمين يرى أنها كذلك، والرجل يحلف فلا يعقد قلبه على شيء، وممن قال أن اللغو اليمين التي لا يعقد عليها قلبه عمر وعائشة ـ رضي الله عنهما ـ وبه قال عطاء والقاسم وعكرمة والشعبي والشافعي ... إلى أن قال: وممن قال لا كفارة في هذا ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك وزرارة ابن أوفى و الحسن و النخعي ومالك وهو قول من قال إنه من لغو اليمين ولا نعلم في هذا خلافا، ووجه ذلك قول الله تعالى {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين} فجعل الكفارة لليمين التي يؤاخذ بها، ونفى المؤاخذة باللغو فيلزم انتفاء الكفارة، ولأن المؤاخذة يحتمل أن يكون معناها إيجاب الكفارة بدليل أنها تجب في الأيمان التي لا مأثم فيها، وإذا كانت المؤاخذة إيجاب الكفارة فقد نفاها في اللغو فلا تجب، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا، ولأن قول عائشة في تفسير اللغو وبيان الأيمان التي فيها الكفارة خرج منها تفسيرا لكلام الله تعالى وتفسير الصحابي مقبول. اهـ
وأما كثرة الحلف المنهي عنها فليست من هذا الباب، بل المقصود بها الأيمان المعقودة المقصودة، جاء في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: والمراد بعدم كثرة الحلف: ما كان معقودا ومقصودا، أما ما يجرى على اللسان بلا قصد، مثل: لا والله، وبلى والله، في عرض الحديث، فلا مؤاخذة فيه لقوله تعالى: { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } (المائدة:89). اهـ
والله أعلم.