الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يظهر من سؤالك أن ما ترينه بعد رؤية الطهر هو من الدم العادي، وليس صفرة أو كدرة، فإن كان هذا الذي ترينه دمًا عاديًّا فهو حيض إذا كنت ترينه في زمن إمكان الحيض، ولو بعد رؤية الطهر، ولو كان ذلك في غير مدة عادتك، ولبيان حكم الدم العائد انظري الفتوى رقم: 100680، ولبيان ضابط زمن الحيض انظري الفتوى رقم: 118286.
وأما الصفرة والكدرة: فصفتها مبينة في الفتوى رقم: 167711، فإذا تحققت أن الخارج منك صفرة أو كدرة فاعلمي أن الصفرة والكدرة تعد حيضًا إذا كانت في زمن العادة أو كانت متصلة بالدم على ما بيناه في الفتوى رقم: 134502، وأما في غير هذه الحال فلا تعد حيضًا، ومن ثم؛ فإذا رأيت صفرة أو كدرة في زمن العادة أو رأيتها متصلة بالدم فإنك تعدينها حيضًا، وإذا كانت في غير زمن العادة بعد رؤية الطهر فليست حيضًا، ولكنها نجسة يجب عليك الاستنجاء منها على ما بيناه في الفتوى رقم: 178713، وإذا كان نزولها مستمرًّا فحكمك حكم المستحاضة؛ تتوضئين للصلاة بعد دخول وقتها، وتصلين بوضوئك الفرض وما شئت من النوافل.
واعلمي أنه لا تعارض بين حديث أم عطية وحديث عائشة -رضي الله عنهما-، فأمر عائشة النساء ألا يعجلن بالاغتسال ما دمن يرين الصفرة والكدرة محمول على ما إذا كانت هذه الصفرة والكدرة متصلة بالدم أو كانت في مدة العادة، وأما بعد انقضاء العادة ورؤية الطهر فإن الصفرة والكدرة لا تعد شيئًا على حديث أم عطية، وهذا الجمع بين النصين واضح على ما نفتي به من كون الصفرة والكدرة لا تعدان حيضًا إلا في زمن العادة أو حيث اتصلت بالدم، قال في شرح الإقناع: (والصفرة والكدرة) وهما شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة. قاله في المبدع (في أيام العادة حيض) لدخولهما في عموم النص؛ ولقول عائشة -وكان النساء يبعثن إليها بالدرجة فيها الصفرة والكدرة-: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيض. وفي الكافي قال مالك، وأحمد: هي ماء أبيض يتبع الحيضة (لا بعدها) أي: ليست الصفرة والكدرة بعد العادة حيضا (ولو تكرر) ذلك فلا تجلسه؛ لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا. رواه أبو داود، والبخاري. ولم يذكر بعد الطهر. انتهى.
والله أعلم.