هل يجوز الحلف كذباً لمن لا يتوصل لحقه إلا به
21-1-2003 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما حكم من أدَّى اليمين الحاسمة في دعوى أقيمت عليه منكراً ما للمدعي بذمته بسبب أنه هو أيضا أي المدعى عليه له بذمة المدعي مبلغا يستغرق ما أدعى به في دعواه هذه من الناحية الحسابية. الحالف مطمئن أن ذمته غير مشغولة للمدعي واستناده إلى المقاصة وحسن النية في عدم الاعتداء على أي حق من جهة وحماية حقه من المدعي حيث خشي إن رد حلف اليمين عليه أن يؤديها المدعي ظلما وعلى ذلك قرر تأدية اليمين ما الحكم وما المفروض أن يحصل على كل الأحوال الإجابة أفادكم الله وحفظكم آمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على من أُقيمت عليه دعوى، أن يصدق في اليمين إذا طلبه منه القاضي، ومن كذب في يمينه ليضيع حق المدعي فهو داخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان. رواه البخاري وغيره.
لكن إذا كان للمدعى عليه حق عند المدعي فغلب على ظنه أنه سيجحده، جاز له أن يجحد حقه هو الآخر ولو كان ذلك باليمين، بشرط أن يقصد بيمينه التورية لا الحقيقة، وبهذا قال المالكية والشافعية، كما نص على ذلك ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج قال: وله جحد من جحده، إذا كان له على الجاحد مثل ما له عليه أو أكثر منه، فيحصل التقاص وإن لم توجد شروطه للضرورة، فإن كان له دون ما للآخرين عليه جحد من حقه بقدره. انتهى
وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: إذا كان شخصان لكل منهما حق على الآخر، فجحد أحدهما حق صاحبه، فللآخر جحد ما يُعادله، وله أن يحلف ويُحاشي -أي يوري-. انتهى
والأصل في جواز ذلك قوله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، وقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126].
وإنما قلنا بالتورية لورود الأحاديث الآمرة بذلك، والتي عنون لها الإمام البخاري بقوله: باب المعاريض مندوحة عن الكذب. انتهى
وقال ابن القيم رحمه الله: يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى
أما إذا لم يغلب على ظنك أنه سيجحد حقك، فلا يجوز لك جحود حقه لعدم الاضطرار لذلك، وعملاً بالأصل المذكور في صدر الجواب، وإن كنا نرى أن الأفضل لك هو أن تصدق القاضي، ولا توري خروجاً من الخلاف، وجرياً على قاعدة التسامح والعفو.
والأصل في ذلك، قول الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40].
وقوله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43].
والله أعلم.