الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي منَّ عليك بالهداية والتوبة، ثم اعلم أن الأيام التي وقع منك فيها الجماع في نهار رمضان، ووجب عليك بذلك القضاء والكفارة، فقد اختلف العلماء هل تجب عليك الكفارة عن كل يوم منها أو تجزئك كفارة واحدة عن جميع الأيام؟ قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: المسألة الأولى: إذا جامع في يومين بأن جامع في اليوم الأول من رمضان، وفي اليوم الثاني، فإنه يلزمه كفارتان، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وإن جامع في كل يوم من الشهر فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون حسب أيام الشهر؛ وذلك لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول بفساد صوم اليوم الثاني. وقيل: لا يلزمه إلا كفارة واحدة إذا لم يكفر عن الأول. وهو وجه في مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة؛ وذلك لأنها كفارات من جنس واحد فاكتُفِيَ فيها بكفارة واحدة، كما لو حلف على أيمان متعددة ولم يكفر، فإنه إذا حنث في جميعها فعليه كفارة واحدة، وكما لو أحدث بأحداث متنوعة، فإنه يجزئه وضوء واحد، ويقال هذا أيضًا في كفارة الظهار إذا لم يكفر عن الأول. انتهى. وفي تعليقه على الكافي قوى الشيخ -رحمه الله- القول بلزوم كفارة واحدة، وبخاصة في حق من كان تائبًا.
وإذا علمت هذا؛ فإنه يسعك الأخذ بقول من يوجب كفارة واحدة، وليس هذا من الترخص المذموم، كما وضحناه في الفتوى رقم: 134759. وإن أردت الاحتياط فعليك عن كل يوم من هذه الأيام كفارة، وهي: عتق رقبة، فإن عجزت: فصيام شهرين متتابعين، فإن عجزت: فإطعام ستين مسكينًا، ولا يجوز لك العدول إلى الإطعام مع القدرة على الصيام؛ لأن الكفارة تجب على الترتيب عند الجمهور، ومن العلماء من يرى أن الكفارة على التخيير. وهو قول المالكية، وعلى هذا القول؛ فإن شئت صمت، وإن شئت أطعمت، والمفتى به عندنا -وهو الأحوط-: أنك لا تعدل إلى الإطعام إلا إذا عجزت عن الصيام.
وأما الأيام التي أفطرتها بغير الجماع: فعليك قضاؤها كلها، ولا تجب عليك في شيء منها كفارة؛ لأنها لا تجب على ما نفتي به إلا في الفطر بالجماع، وانظر الفتوى رقم: 111609. ثم إن القضاء يجب عليك على الفور لكونك تعمدت الفطر، قال النووي: {فَرْعٌ} إذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَمَرَضٍ، وَإِغْمَاءٍ، وَسَفَرٍ، وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا أَوْ الْمُرْضِعُ وَالْحَامِلُ، فَقَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ، مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ رَمَضَانَ الْمُسْتَقْبَلَ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ، وَإِنْ فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَوَجْهَانِ، كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الفائتة بلا عذر (أرجحهما) عند أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي أَيْضًا (وَالثَّانِي) وهو الصحيح -صححه الخراسانيون، ومحققو الْعِرَاقِيِّينَ، وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ-: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ. انتهى.
وأما أيهما تقدم القضاء أم الكفارة: فقد ناقشنا هذه المسألة في الفتوى رقم: 228265، وبينا أنك مخير، وأن الأولى عند بعض العلماء البداءة بالقضاء.
والله أعلم.