الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الحديثين واضح، وهما يدوران حول التحذير من حقوق العباد، وبيان أن القصاص ورد المظالم يوم القيامة يكونان بالحسنات والسيئات.
وإليك ما يتيسر من بيان معناهما:
ـ معنى الحديث الأول، ـ حديث المفلس ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم استفهم من أصحابه ـ لا لجهل بما يسال عنه بل ليخبرهم وينبههم إلى ما سيقول، فقال: أتدرون ما المفلس؟ ... فأجابوا بأن المفلس ـ كما يعرفون ـ هو الفقير الذي لا نقود عنده ولا متاع ... فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: المفلس من يأتي يوم القيامة بثروة من الحسنات لكنه اعتدى على الناس بأنواع الاعتداء... فيقتص لهم منه، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، وهذا من حسناته بالعدل والقصاص بالحق، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار، والعياذ بالله. اهـ من شرح رياض الصالحين للعثيمين، بتصرف
- ومعنى الحديث الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه عدل لا يظلم أحدا، بل يقتص من المظلوم للظالم، ولو كان الظالم من أهل الجنة والمظلوم من أهل النار، وأنه لن يدخل أحد الجنة أو النار حتى يأخذ حقه ممن ظلمه و يُأخذ منه حق من ظلم، قال ابن تيمية ـ تعليقا على هذا الحديث ـ: فَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ الْعَدْلَ وَالْقِصَاصَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ. اهـ
فإذا علم هذا يتبين لك أنه:
1- إذا كان الظالم مسلما والمظلوم مسلما ولم يأخذ منه حقه في الدنيا عوض المظلوم من حسنات الظالم فإن فنيت حسناته عوض المظلوم بطرح سيئاته على الظالم بحسب ما ظلمه.
2- والكافر إذا ظلم المسلم فإنه يؤخذ من سيئات المسلم ثم تطرح على الكافر؛ لأن الكافر لا حسنات له أصلا.
3- والمسلم إذا ظلم الكافر، فإن كان حربيا معتديا فلا شيء على المسلم ولا يعد ظالما؛ لأن عرض الكافر مباح، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ:اهج المشركين فإن روح القدس معك. رواه أحمد.
وإن كان ذميا أو مستأمنا أو معاهدا فإنه يقتص له منه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة. رواه أبو داوود في سننه،
وكيفية الاقتصاص للكافر من المسلم مرد علمها إلى الله تعالى، لكنه حاصل قطعا بدليل عموم الأحاديث الواردة في القصاص .
وانظر الفتوى رقم: 27375.
وراجع أيضا للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 3944 - 22000 - 22086.
والله أعلم.