الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دامت البنت بغيًّا -كما ذكرت-: فلا يجوز إيواؤها، ولا إعانتها على ما تقترفه من فواحش ومنكرات؛ لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}، لكن لو فعل ذلك الأبوان، ولم يطرداها، فلا يسقط ذلك حقهما عليك في البر، ولا تجوز قطيعتهما، ولا الإساءة إليهما وإن أساءا.
فاستغفر الله، وعد إلى صلة أبويك، وصاحبهما بمعروف وإحسان؛ جاء في كتاب أحكام الهجر للبدراني: لا يجوز للمسلم أن يهجر والديه مهما بدر منهما إليه من الإساءة، والله تعالى يقول في شأن الوالدين الكافرين اللذين يدعوان إلى الكفر: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ـ ويقول تعالى في الوالدين عمومًا: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ـ وأي إساءة أعظم من الهجر.
ويقول الشيخ/ ابن باز ـ رحمه الله ـ في إحدى فتاويه -مُفرقًا بين هجر الأقارب عمومًا وبين هجر الوالدين-: وهكذا الرجل إذا كان إخوانه يضرونه، أو أعمامه، أو أخواله في مجالسهم، فلا حرج أن يترك الذهاب إليهم، بل يشرع له ترك الذهاب إليهم وهجرهم، إلا إذا كانت الزيارة يترتب عليها النصيحة والتوجيه وإنكار المنكر، هذا طيب إذا زارهم ينكر عليهم ويعظهم ويخوفهم من الله؛ لعل الله أن يهديهم بأسبابه، فهذا مطلوب مشروع، له أن يذهب إليهم للنصيحة والتوجيه، إلا الوالدين فالوالدان لهما شأن، الوالدان لا، لا يهجر والديه، بل يزور الوالدين، ويعتني بالوالدين، وينصح الوالدين، ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم في حق الوالدين: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ـ أُمر أن يصحبهما بالمعروف, وإن جاهداه على الشرك، لعل الله أن يهديهما بأسبابه، لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات، فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مع أبيه مع أنه مشرك معلن بالشرك، ومع هذا اجتهد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في دعوة أبيه، فالمقصود أن الوالدين لهما شأنٌ عظيم، فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف في نصيحتهما وتوجيههما إلى الخير... انتهى.
ومن العلماء من قال: إن الهجر إن كان لمصلحتهما فلا بأس به؛ فقد سئل الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله- في لقاء الباب المفتوح: هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟
فأجاب: نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما في الطعام والشراب والسكن، وغير ذلك.
وعلى كل؛ فلتبين لأبويك بحكمة وموعظة حسنة أن إعانتهما للبنت على ما تفعل من معصية يلحقهما بسبب ذلك إثم، فليكفّا عن إعانتها، ولا يظهرا لها الرضا بما تفعل من منكر، وليحجزاها عنه ما استطاعا، وما فعلته من تلقاء نفسها فإثمه عليها وحدها.
والله أعلم.