الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن لزمته كفارة يمين وليس عنده من المال ما يطعم به المساكين أو يكسوهم به أو يعتق به رقبة، فإنه ينتقل إلى الصيام، كما فصلناه في الفتوى رقم: 26595. والواجب ابتداء هو الإطعام أو الكسوة أو العتق، ولا يجزئ إخراج القيمة بالنقود عوضًا عن ذلك إلا لمصلحة راجحة، كما بيناه في الفتوى رقم: 204904، فإذا لم يكن عندك من النقود ما تشترين به طعامًا للمساكين أو كسوة، فإنك تنتقلين إلى الصيام، فتصومين عن كل كفارة ثلاثة أيام.
وأما هل تنتظرين حتى تجمعي من النقود ما تخرجين به الكفارة؟ فهذا ينبني على كون الكفارة واجبة على الفور أم التراخي، وهناك خلاف بين العلماء في ذلك؛ قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف:
نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى وُجُوبِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَنِثَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبَانِ عَلَى الْفَوْرِ ... اهـ.
وقال الخرشي المالكي في شرح مختصر خليل: وَهَلْ الْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ وَالظَّاهِرُ: الْأَوَّلُ ... اهـ.
وذهب الحنفية إلى أنها على التراخي، كما قال صاحب البحر الرائق: وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ ... اهـ.
وفصّل الشافعية؛ فجعلوا الكفارة التي تعدى فيها صاحبها وعصى على الفور، والتي يُعذر فيها على التراخي، قال النووي في المجموع:
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ: فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ خَطَأً، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ: فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَهَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ وَالْأَصْحَابُ، أَصَحُّهُمَا: عَلَى الْفَوْرِ ... اهـ.
ولا شك أن الأحوط أن تبادري بالتكفير بالصوم، ولا تنتظري حتى تجمعي من النقود ما تخرجين به الكفارة، وإذا كنت قادرة على الإطعام أو الكسوة عن بعض الكفارات -وليس عن كلها- فأخرجي تلك الكفارة عن بعضها، وصومي عن الباقي.
وأما كيفية الإطعام: فانظريها في الفتوى رقم: 132334 عن كيفية إطعام المساكين في كفارة اليمين، والفتوى رقم: 231607 عن كيفية توزيع كفارة اليمين على الفقراء والمساكين.
والله تعالى أعلم.