الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عامة العلماء على تحريم الهدايا في الجملة على من يعمل في عمل عام للمسلمين؛ لما ورد من النصوص في ذلك، ولما فيها من تهمة المحاباة للمهدي، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ومن الهدايا المحرمة: هدايا العمال وأرباب الولايات من قاض وغيره من الذين يتولون وظائف عامة للمسلمين سواء كانت الهدية عينا أو منفعة أم تمت في صورة محاباة، ولا يجوز للقاضي ونحوه قبول هدية ويجب عليه ردها، وإن تأذى المهدي بالرد يعطى قيمتها، وإن تعذر ردها لعدم المعرفة أو بعد مكانه وضع في بيت المال إلى أن يحضر صاحبها فيدفع إليه، وهي بمنزلة اللقطة، هذا إذا أهداه من له خصومة، أو من لا خصومة له ولكنه لم يكن يهدى إليه قبل الولاية؛ لأنه في حالة وجود الخصومة تدعو إلى الميل، وفي حالة عدمها فإن الظاهر أن سبب الإهداء العمل، ويجوز له قبول الهدية من قريب أو صديق كان يهدى له قبل الولاية إن لم تكن له خصومة حاضرة أو مرتقبة، وكانت الهدية بالقدر الذي كان يهديه قبل الولاية أو الترشيح؛ لانتفاء التهمة حينئذ، بخلافها بعد الترشيح أو مع الزيادة، فيحرم الكل إن كانت الزيادة بالوصف، كأن كان يهدى أثوابا من الكتان، فأهدي إليه بعد الولاية الحرير، وسائر العمال ممن يتولون ولاية عامة كالقاضي في حرمة الهدية ونحوها عليهم، ومنهم مشائخ الأسواق والبلدان والقرى ومباشرو الأوقاف، وكل من يعمل للمسلمين عملا حكمه في الهدية حكم القاضي، والأصل في حرمة قبول هؤلاء الهدايا قوله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول، وفي لفظ: هدايا السلطان سحت، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم "استعمل رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية على صدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: فحمد الله وأثنى عليه وقال: "ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت؟ مرتين. اهـ.
وعليه؛ فهذه الهدية لا تحل لك، والواجب أن تردها على المهدي، ويمينه بطلاق زوجته ليس مؤثرا في حرمة قبولك للهدية، لكن إن تحرّج المهدي من ردها عليه فيمكن أن تعطيه مثل قيمتها، جاء في النهر الفائق: ولو تأذى المهدي بالرد قال في (الخلاصة): يعطيه مثل قيمتها .اهـ. وفي هذا مخرج للمهدي أيضا من يمينه تلك.
على أن بعض العلماء يرى أن الهدية المحرمة ترد إلى بيت مال المسلمين ولا ترد إلى صاحبها، قال النووي في الروضة: وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَقَبِلَهَا، لَمْ يُمَلَّكْهَا عَلَى الأَصَحِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَهَا قِيلَ: يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، جَعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ ارْتَشَى الْحَاكِمُ, أَوْ قَبِلَ هَدِيَّةً لَيْسَ لَهُ قَبُولُهَا، فَعَلَيْهِ رَدُّهَا إلَى أَرْبَابِهَا؛ لأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَأَشْبَهَ الْمَأْخُوذَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ بِرَدِّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا .اهـ. فيمكن العمل بهذا القول ، فتبرأ ذمتك من الهدية، و يسلم المهدي من يمينه تلك .
وفيما يخص يمين المهدي: فإن زوجته تطلق إن لم تقبل هديته، واختار ابن تيمية أنه لا يعتبر طلاقا، بل يكون يمينا مكفرة، وراجع بيان ذلك في الفتوى رقم: 11592.
والله أعلم