الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن ارتكب ذنبا يوجب اللعن من الله تعالى، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، فإن من ضابط الكبيرة أن يكون الذنب متوعدا عليه باللعن.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه الكبيرة: كل ذنب كبر، وعظم عظما بحيث يصح معه أنه يطلق عليه اسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيما على الإطلاق، فهذا حد الكبيرة. ولها أمارات منها: الحد، ومنها: الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها: ما وصف فاعلها بالفسق، أو يضاف إليه اللعن كلعن الله من غير منار الأرض ونحو ذلك. انتهى من تفسير الخازن.
وإذا علمت هذا، فإن من ارتكب كبيرة من الكبائر، فباب التوبة مفتوح له، لا يغلق في وجهه، ما لم تبلغ روحه الحلقوم، فإذا تاب إلى الله توبة نصوحا، صادقة، تاب الله عليه، ومحا عنه أثر ذلك الذنب، وصار كمن لم يذنب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدا، فإذا تاب العبد، تاب الله عليه إذا استوفت توبته شروطها، وكان ذلك في الوقت الذي تقبل فيه التوبة، وهو قبل الغرغرة، وكان مستحقا للشفاعة إن شاء الله، وكان من أهل رحمة الله تعالى بتوبته، وأما إذا مات مصرا على كبيرته، فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ثم لو كان هذا المذنب من أهل التوحيد، فمآله إلى الجنة ولا بد، وأما من مات مشركا -والعياذ بالله- فهذا خالد في النار أبدا، ولا يخلد في النار إلا أهل الشرك كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء:48}.
والله أعلم.