الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما مسألة إحراق اللوطي، فالرواية فيها عن الصحابة مرسلة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 243313. والاحتجاج بالمرسل محل خلاف بين أهل العلم، وراجع في ذلك الفتويين: 17381، 271120.
وهنا لا بد من الانتباه إلى أن الخلاف في ثبوت هذه الرواية، يترتب عليه الخلاف في كيفية قتل اللوطي، وما كان معمولا به في عقوبته في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وأما أصل القتل، فلا خلاف فيه بينهم.
قال الشوكاني في السيل الجرار: قد قتل اللوطي في زمن الخلفاء الراشدين، وأجمعوا على ذلك، ولا يضر اختلاف صفة القتل. اهـ.
وقد سبق لنا بيان ذلك في جواب سؤال سابق للسائل نفسه، وهو برقم: 267475. كما سبق لنا في جواب سؤال نظنه للسائل نفسه أيضا، بيان أن مجرد الميل الذي لا يرقى لأن يكون عزيمة، أو تصميما، ولا يترتب عليه قول ولا فعل، لا يعاقب عليه الإنسان مهما كان سيئا، بل إن مجاهدة صاحبه له، علامة على تقواه، وتعد من الطاعات الكبار التي يستحق عليها الثواب والمدح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 267901.
وأما كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ فقد سبق أن استشكله السائل، فأجبناه عنه في الفتوى رقم: 277675. فعاد وكرر سؤاله؛ ولذا فإننا ننصحه بالإعراض عن الوسوسة، والاجتهاد في تحصيل أسباب الفوز والنجاة في الآخرة، وليعلم أن الله تعالى وإن كان خلق الإنسان ليبتليه ويمتحنه، إلا أنه سبحانه لا يبتليه إلا بما في وسعه، ولا يكلفه إلا ما يطيق، ومع ذلك فتح له أبواب الرحمة المغفرة والعفو، قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286] وقال سبحانه: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] وقال عز وجل: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].
قال السعدي: الجهاد بذل الوسع في حصول الغرض المطلوب، فالجهاد في الله حق جهاده، هو القيام التام بأمر الله، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك، من نصيحة، وتعليم، وقتال، وأدب، وزجر، ووعظ، وغير ذلك ... ولما كان قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} ربما توهم متوهم أن هذا من باب تكليف ما لا يطاق، أو تكليف ما يشق، احترز منه بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر، وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب الأحكام. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 117638.
والله أعلم.