الله تعالى يبتلي العبد بما في وسعه ولا يكلفه إلا ما يطيق

29-12-2014 | إسلام ويب

السؤال:
يبدو اْنكم فهمتم كلامي بشكل غير صحيح تماما، فأدعو الله اْن يرزقكم الصبر في الفتوى السابقة.
اْنا اْقصد: إذا كان شخص يحاول التخلص من هذه الميول، ويجاهد نفسه ليرضي ربه بالزواج، ويأخذ بالأسباب.
هل من سبيل للتخلص منها؟!
فكان ردكم: التوبة. فكيف اْتوب من شيء لم اْفعله برضى مني، وهناك فرق بين الميل والفعل؟!
اْنا على اْول الطريق، ولكن عندما قرأت كلام الإمام بن القيم، شعرت بالحزن الشديد. فما اْكثر من ينظر الى اجتهاده اْنه وحي من السماء، أو أشعر اْنه يعبده شخصيا!
اْلا يعتبر كلام الإمام بن القيم يتعارض مع الواقع: فكيف يخلق الله شخصا، ويقدر له هذه الميول، ثم يمنعه من الزواج، ويتركه كالسلعة للإعلام، والمجتمع، وشغل الراْي العام؟! حين قال: "في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والتعداد، ولأن يقتل المفعول به خير له من أن يؤتى، فإنه يفسد فسادا لا يرجى له بعده صلاح أبدا، ويذهب خيره كله، وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه، فلا يستحي بعد ذلك من الله، ولا من خلقه، وتعمل في قلبه، وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن"
لماذا فرق بين الفاعل والمفعول به؟! رغم اْن هناك من يميل للاثنين، بل من يميل للنساء والرجال معا! كيف لا يكون فيه خير، وفي نفس الوقت هناك من غيَّر شكل البشرية، كان كذلك مثل مخترع علم الحاسوب آلان تورنج، ويتحدث وكاْن الله يريد عقاب كل مذنب، رغم اْن حد اللواط يبدو مستحيلا اْن يحدث بعيدا عن ذلك، فاجتهاده يوجد فيه الكثير من الاْخطاء، فهو من قال إن قوم لوط هلكوا بالفاحشة وليس الكفر، وهو من قال إن هناك فرقا بين فاحشة، وفاحشة، رغم اْن الاْولى مذكورة مرتين بمعنى الزنا اْيضا!
وهو من قال إن سيدنا جبريل رفع القرى، رغم اْن طريقه هلاكهم فيها كلام، وهو من حكم على من يفعل هذا الفعل بدخول النار في اْبيات شعر، وقال إن الصحابة حرقوا من يفعل هذا الفعل بالنار، رغم اْن الشيخ الشوكاني، وبن حجر، والبيهقي، وبن حزم، واْيضا في كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن تفسير آيات قوم لوط، قال إن هذا مرسل بجانب اْنها توْثر على حالتي النفسية.
فكيف يقدر لي الله هذه الميول، ثم يقول لي اْريد حرقك إذا قامت عليك البينة بأربع شهود، أو حتى اْرى غيري، وتم غض النظر اْن كل روايات الصحابة تناقض بعضها البعض، فمرة كحد الزنا، ومرة رجم، وتارة يرجم، ويحرق، ويضرب بالسيف، ثم يحرق، ثم كحد الزنا مرة اْخرى، وغير ذلك.
اْنا اْعلم اْن كلام الإمام بن القيم اجتهاد، ولكن الناس تنظر لكلامه اْنه وحي من السماء! بجانب نظرة المجتمع التي لا ترحم اْنهم حتى لا يعرفون الفرق بين اْضرار الهوية الجنسية، وبين الميل لنفس الجنس مما يعطي لشعور للمبتلى في حالتي اْنه يعيش في القرون الوسطى.
وآخر سؤال لي: ما هي خلاصة قصة التحريق هل فعلا حدث ذلك؟! هل اْحرق اْحد من الصحابة، أو الخلفاء لوطيا بالنار؟!
اْرجو اْن لا يرد على هذا السؤال بفتوى اْخرى، فجمهور الفقهاء على اْنها ضعيفة.
فما قولكم أنتم فيها هل فعلا من وجهة نظركم حدثت وتصح؟!اْين الفاعل؟! كيف قامت البينة على ذلك الرجل؟!

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما مسألة إحراق اللوطي، فالرواية فيها عن الصحابة مرسلة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 243313. والاحتجاج بالمرسل محل خلاف بين أهل العلم، وراجع في ذلك الفتويين: 17381، 271120.

 وهنا لا بد من الانتباه إلى أن الخلاف في ثبوت هذه الرواية، يترتب عليه الخلاف في كيفية قتل اللوطي، وما كان معمولا به في عقوبته في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وأما أصل القتل، فلا خلاف فيه بينهم.

  قال الشوكاني في السيل الجرار: قد قتل اللوطي في زمن الخلفاء الراشدين، وأجمعوا على ذلك، ولا يضر اختلاف صفة القتل. اهـ.

وقد سبق لنا بيان ذلك في جواب سؤال سابق للسائل نفسه، وهو برقم: 267475. كما سبق لنا في جواب سؤال نظنه للسائل نفسه أيضا، بيان أن مجرد الميل الذي لا يرقى لأن يكون عزيمة، أو تصميما، ولا يترتب عليه قول ولا فعل، لا يعاقب عليه الإنسان مهما كان سيئا، بل إن مجاهدة صاحبه له، علامة على تقواه، وتعد من الطاعات الكبار التي يستحق عليها الثواب والمدح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 267901.

وأما كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ فقد سبق أن استشكله السائل، فأجبناه عنه في الفتوى رقم: 277675. فعاد وكرر سؤاله؛ ولذا فإننا ننصحه بالإعراض عن الوسوسة، والاجتهاد في تحصيل أسباب الفوز والنجاة في الآخرة، وليعلم أن الله تعالى وإن كان خلق الإنسان ليبتليه ويمتحنه، إلا أنه سبحانه لا يبتليه إلا بما في وسعه، ولا يكلفه إلا ما يطيق، ومع ذلك فتح له أبواب الرحمة المغفرة والعفو، قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286] وقال سبحانه: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] وقال عز وجل: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78].

قال السعديالجهاد بذل الوسع في حصول الغرض المطلوب، فالجهاد في الله حق جهاده، هو القيام التام بأمر الله، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك، من نصيحة، وتعليم، وقتال، وأدب، وزجر، ووعظ، وغير ذلك ... ولما كان قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} ربما توهم متوهم أن هذا من باب تكليف ما لا يطاق، أو تكليف ما يشق، احترز منه بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر، وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب الأحكام. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 117638

والله أعلم.

www.islamweb.net