الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصغحبه، أما بعد:
فباب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، فتدارك ذنوبك وإن عظمت بتوبة ماحية نصوح تعود بها كمن لم يذنب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه، واعلم أن ذنوبك مهما عظمت فإن عفو الله تعالى أعظم، ورحمته سبحانه قد وسعت كل شيء، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، فأخلص توبتك لله تعالى، وابدأ صفحة جديدة في حياتك تعمرها بطاعة الله تعالى والبعد عما يسخطه، واعلم أن القلب إذا مرض بالذنوب فإعادته إلى الحياة التامة والصحة الكاملة تكون بالكف عنها ولزوم طريق الاستقامة، قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا {الحديد:16/17}، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فيه إشارة إلى أن الله تَعَالَى يُلِينُ الْقُلُوبَ بَعْدَ قَسْوَتِهَا، وَيَهْدِي الْحَيَارَى بَعْدَ ضَلَّتِهَا، وَيُفَرِّجُ الْكُرُوبَ بَعْدَ شِدَّتِهَا، فَكَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ الْمُجْدِبَةَ الْهَامِدَةَ بِالْغَيْثِ الْهَتَّانِ الْوَابِلِ، كَذَلِكَ يَهْدِي الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ بِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ والدلائل، ويولج إليها النور بعد أن كَانَتْ مُقْفَلَةً لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْوَاصِلُ، فَسُبْحَانَ الهادي لمن يشاء بعد الضلال، وَالْمُضِلِّ لِمَنْ أَرَادَ بَعْدَ الْكَمَالِ، الَّذِي هُوَ لما يشاء فعال، وهو الحكيم الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْفِعَالِ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْكَبِيرُ المتعال. انتهى،
فاعلم هداك الله أن مفتاح قلبك بيد ربك تعالى فهو سبحانه مقلب القلوب، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء، فأقبل عليه والجأ إليه وتضرع له وسله مخلصا أن يوفقك ويعينك، فلو اطلع على صدقك فإنه لن يخذلك بمنه وكرمه، واصحب أهل الخير ممن تذكرك صحبتهم بالله سبحانه، واحضر حلق الذكر ومجالس العلم وزر القبور فإن زيارتها تلين القلوب وتذكر بالآخرة، وحافظ على الفرائض وأكثر من النوافل بعد الفرائض، واشغل وقتك بالنافع من الأقوال والأعمال، وجاهد نفسك مجاهدة صادقة حتى يحصل لك المطلوب، فإن الله لا يخذل من جاهد نفسه فيه كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}، نسأل الله لك الهداية والتثبيت.
والله أعلم.