الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحكم القرض بالنسبة للمقترض هو الإباحة، هذا من حيث الأصل، قال ابن قدامة في المغني: والقرض نوع من السلف، وهو جائز بالسنة والإجماع... والقرض مندوب إليه في حق المقرض، مباح للمقترض. اهـ
وقد دلت السنة على جواز الاقتراض للحاجة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في خبر أبي رافع في صحيح مسلم، فلا حرج على المرء أن يقترض لرفع حاجته، وهو ينوي السداد حتى ولو عجز عن ذلك فلا يلام شرعا، ولا يؤاخذ في الآخرة، وقد تكفل الله بسداد دينه؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه. رواه البخاري. وهذا من إكرام الله ولطفه وجوده بعبده الصالح فجازاه وكافأه لصدقه وأمانته.
وما ورد من التنفير من الدين سواء من قرض أو غيره إنما هو في حق من تعمد الخيانة فيه، وأخذه يريد به أكل أموال الناس بالباطل، أو تساهل فيه فأخذه لغير حاجة حتى عجز عنه، فكانت الشريعة بذلك حكيمة عادلة تحث الناس على المواساة وقضاء الحاجات وبذل القرض، وفي المقابل تحذر من التساهل في أخذ أموال الناس أو أخذها بنية سيئة.
ومن الأدلة الواردة في الترغيب فيه للمقرض قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: كل قرض صدقة. رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي، وقوله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعًا وموقوفًا، وقوله أيضًا عليه الصلاة والسلام: من يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. رواه مسلم وابن حبان في صحيحه والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه رحمهم الله وغيرها من الآثار الواردة في ذلك.
ومن الآدلة الواردة في تنفير المقترض منه لغير حاجة ما ورد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته، ليس ثَمَّ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ. رواه ابن ماجه، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نفَس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقْضَى عنه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وثبت أيضا استعاذته صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين أو ضلع الدين إلى غير ذلك من النصوص المنفرة من التساهل في الدين وأخذ أموال الناس.
والله تعالى أعلم.