الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن وجل المسلم عند ذكر أهوال القيامة، وعذاب القبر علامة خير، ودليل على صحة إيمانه، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ {المعارج:27-28 }. وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون:60}.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن هانئ مولى عثمان -رضي الله عنه- قال: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى، حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ، إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ.
والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا، فالوجل، والخوف عند ذكر القبر، والقيامة علامة خير، لكن لا بد أن يتبع ذلك اجتهاد في الطاعة، واستعداد للموت، وعمل للنجاة من تلك الأهوال العظام، والخطوب الجسام، وأما الثبات على الدين، فأهم وسائله الاستعانة بالله تعالى، والاجتهاد في دعائه، واللجأ إليه، ومجاهدة النفس، وحملها على فعل ما تكره، وترك ما تحب، وصحبة الصالحين، ولزوم ذكر الله تعالى على كل حال، وكثرة التفكر في أسمائه، وصفاته، وآلائه تبارك وتعالى، نسأل الله أن يرزقنا الثبات على الحق حتى نلقاه.
والله أعلم.