الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان لعن الشخص المعين لا يجوز على الراجح إلا إذا علم موته على الكفر، فقد قال العلامة البجيرمي الشافعي: اعلم أن لعن المسلم المعين حرام بإجماع المسلمين. انتهى.
و قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر: فالمعين لا يجوز لعنه وإن كان فاسقا. اهـ
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: كان أهل العلم يختارون فيمن عرف بالظلم ونحوه مع أنه مسلم له أعمال صالحة في الظاهر ـ كالحجاج بن يوسف وأمثاله ـ أنهم لا يلعنون أحداً منهم بعينه، بل يقولون كما قال الله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين، فيلعنون من لعنه الله ورسوله عاماً، كقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها ولا يلعنون المعين كما ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن رجلا كان يدعى حماراً وكان يشرب الخمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلده، فأتي به مرة، فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله، وذلك لأن اللعنة من باب الوعيد والوعيد العام لا يقطع به للشخص المعين لأحد الأسباب المذكورة: من توبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، وغير ذلك.. وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد، وطائفة بإزاء هؤلاء يقولون بل نحبه لما فيه من الإيمان الذي أمرنا الله أن نوالي عليه، إذ ليس كافراً، والمختار عند الأمة: أنا لا نلعن معينا مطلقاً ولا نحب معينا مطلقاً. انتهى.
وفي حاشية الجمل على المنهج: ويحرم لعن المسلم المستور ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالفاسقين والمصورين، وأما لعن المعين من كافر أو فاسق فقضية ظواهر الأحاديث الجواز وأشار الغزالي إلى تحريمه إلا من علم موته على الكفر. انتهى.
وذهبت طائفة من العلماء إلى إباحة لعن المعين إذا ثبت فسقه، واحتجوا بما أخرجه الإمام مسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم: مر على حمار قد وسم في وجهه، فقال: لعن الله الذي وسمه.
والأولى بالمسلم ـ تحرزاً من الإثم، وورعاً عن الوقوع فيه ـ أن يجتنب اللعن، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه البزار.
وقال صالح بن الإمام أحمد لأبيه : أتحب يزيد ؟ قال: وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟!. قال: أفلا تلعنه، فقال: يا بني، وهل رأيت أباك يلعن أحداً؟.
وقد سبق أن أوضحنا في عدة فتاوى منها الفتوى رقم:113754، بعض ما ورد في الحديث من النهي عن اللعن والترهيب منه، فيرجى الاطلاع عليها.
ولا حرج في لعن الكافر المعين إن مات على الكفر فقد جاء في الموسوعة الفقهية: أمَّا لَعْنُ الْكُفَّارِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْرِ: فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَعْنُهُمْ، لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ الأْعْرَجَ يَقُول: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلاَّ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رَمَضَانَ ـ قَال الْقُرْطُبِيُّ قَال عُلَمَاؤُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ أَمْ لَمْ تَكُنْ. اهـ.
والله أعلم.