الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان أحب العمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما داوم عليه صاحبه وإن قلَّ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ حَصِيرٌ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ. رواه مسلم
قال النووي: وفيه الحث على المداومة على العمل وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع، وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة. انتهى
وجاء في إرشاد الساري: ولا ريب أن المديم للعمل ملازم للخدمة فيكثر ترداده إلى باب الطاعة في كل وقت فيجازى بالبر؛ لكثرة تردده، فليس هو كمن لازم الخدمة مثلاً ثم انقطع، وأيضًا فإن العامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء. انتهى
فتبين مما تقدم أن وجه الأمر بالاقتصار على ما يستطيع المرء المداومة عليه، هو الخشية أن يكلف الإنسان نفسه شيئا من العبادة لا يطيقه فيعجز عنه وينقطع عن العبادة بذلك..
أما من له ورد ثابت يداوم عليه، وقد يزيد عليه أحيانا عندما يحس بالنشاط أكثر فليس من هذا الباب، فهي من زيادة الخير واغتنام فرصه.
والله أعلم.