الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فربنا -تبارك وتعالى- حكيم عليم، لا يقدّر شيئًا إلا لحكمة، وقد تظهر هذه الحكمة للخلق وقد لا تظهر، فإن ظهرت لم يزد ظهورُها العبدَ إلا تسليمًا وانقيادًا وإذعانًا لحكم الله الشرعي، ولحكمه الكوني القدري، وإن لم تظهر فهو موقن بأن ربه لم يقدر ما قدره عبثًا، وإنما قدره لما فيه من المصالح العظيمة والعواقب المحمودة، وتقدير المرض على الناس فيه من الحكم والأسرار ما لا يحصيه إلا الله، فلو لم يكن إلا شعور العبد بضعفه، وفقره، وحاجته إلى ربه، وانكساره، وذله له سبحانه؛ لكفى، كما أن تقدير أسباب الشفاء من الرقى والأطباء ونحو ذلك هو من أعظم مظاهر رحمة الله بعباده، فمن حكمة الله في تقدير هذه الأسباب للشفاء أن يري العباد لطفه وبره بهم، وإحسانه إليهم، وأنه إذا قدر الداء قرن به أسباب التعافي منه، ولو شاء لحال بينهم وبين ذلك، ومن حكمة ذلك: أن يبلو عباده أيهم يحسن ظنه بربه، ويصدق في توكله عليه، ويعلم أن الشفاء إنما هو من عنده؛ فيأخذ بالأسباب معلقًا قلبه بربه تبارك وتعالى، وإنما يأخذ بهذه الأسباب لأن ربه شرع له ذلك وأمره به، فلا يكون متواكلًا يدع الأخذ بالأسباب، ولا يكون معلقًا قلبه بها معتمدًا عليها، هذا وغيره كثير من الحكم العظيمة التي لأجلها قدر الله ما قدره من المرض، وشرع الأخذ بأسباب التداوي منه من الرقى والذهاب للأطباء.
والله أعلم.