الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما ذكره السائل من كون أرش شق لحم الوجه حتى يصل إلى العظم مقداره خمسة أبعرة، فصحيح، وأما القول بأن دية الشجة الموضحة تختص بالرأس دون الوجه، فليس بصحيح، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى تغليظ دية موضحة الوجه، قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء: جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في الموضحة خمس من الإبل ـ وأجمع أهل العلم على القول به، وأجمع أهل العلم على أن الموضحة تكون في الوجه والرأس، واختلفوا في تفضيل موضحة الوجه على موضحة الرأس، فروينا عن أبي بكر، وعمر أنهما قالا: الموضحة في الوجه والرأس سواء، وقال بقولهما شريح، والشعبي، ومكحول، والزهري، والنخعي، وربيعة، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: تضعف موضحة الوجه على موضحة الرأس، وقال أحمد في موضحة الوجه: أحرى أن يزاد في ديته. اهـ.
ثم إن من حق المجني عليه في الموضحة أن يقتص، جاء في الموسوعة الفقهية: الجناية على ما دون النفس قد لا تكون بالقطع والإبانة، بل بالجرح، وهو نوعان: الجراح الواقعة على الرأس والوجه، وتسمى الشجاج، والجراح الواقعة على سائر البدن، والشجاج أقسام.. منها: الموضحة، وهي التي تخرق الجلدة التي بين اللحم والعظم وتوضح العظم.. وتتصور هذه الشجة في الجبهة والرأس والخد، وفي قصبة الأنف، واللحي الأسفل ... وأما حكم هذه الشجاج: فقد اتفق الفقهاء على أن القصاص واجب في الموضحة، لقوله تعالى: والجروح قصاص ـ ولتيسير ضبطها واستيفاء مثلها، لأنه يمكن أن ينهي السكين إلى العظم فتتحقق المساواة، وقد قضى عليه الصلاة والسلام في الموضحة بالقصاص، ونص المالكية والشافعية على أنه لا يشترط في الموضحة ما له بال واتساع، فيقتص وإن ضاق كقدر مغرز إبرة. اهـ. باختصار.
إلا أن حق القصاص إنما يقوم على استيفائه وليُّ الأمر، حتى لا يكون الأمر فوضى وتنتشر الفتن، ولذلك نقول: لا تُقدِم على الاعتداء على الجاني من قبل نفسك، بل ارفع أمرك إلى المحكمة، فإن لم تمكنك من القصاص فلك أن تطالب بالتعويض حتى تأخذ حقك بما يساوي الدية، ثم نذكرك هنا بأن العفو أفضل وأحمد في العاقبة، فقد قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ {المائدة: 45}.
قال السعدي: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ ـ أي: بالقصاص في النفس، وما دونها من الأطراف والجروح، بأن عفا عمن جنى، وثبت له الحق قبله: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ـ أي: كفارة للجاني، لأن الآدمي عفا عن حقه، والله تعالى أحق وأولى بالعفو عن حقه وكفارة أيضا عن العافي، فإنه كما عفا عمن جنى عليه، أو على من يتعلق به، فإن الله يعفو عن زلاته وجناياته. اهـ.
والله أعلم.