الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كلمة: لا يقبل ـ يحتمل أن يكون المراد منها أنه لا يعتبر كلام الإمام دليلا في ذاته تقوم به الحجة على العباد، وهذا صحيح، إذ الحجة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفي الإجماع، فهذه هي الأدلة المتفق عليها بين أهل العلم، وليس أحد من العلماء ولو كان من أئمة الدين يُعتبر قوله في ذاته حجة على الناس لا تجوز مخالفتها، وقد قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة، فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة، فاتركوه.
وقال أيضا: ليس أحد ـ بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الإمام أحمد: رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة، كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار.
ويحتمل أن يكون المراد بتلك الكلمة أنه لا يعتد بفقههم واستنباطاتهم ولا يستنير بفهمهم للنصوص الشرعية، وهذا لا شك أنه باطل، ومن قال هذا فهو جاهل، والجاهل لا حيلة فيه إلا أن يهديه الله تعالى ويمنّ عليه بالعلم، فأئمة الدين هم الأدلاء على الحق، كما قال الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ في آخر كتابه الاعتصام: إِذا ثَبَتَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ الرجال، فالحق أيضاً لا يعرف دون وساطتهم، بل بهم يتوصل إليه وهم الأدلة على طريقه. اهـ.
ومن شم رائحة العلم يدرك ما لهؤلاء الأئمة ـ وغيرهم من الفقهاء ـ من الفضل والعلم والفقه في الدين ويعلم أن فقههم وأقوالهم واستنباطاتهم تُنير لمن بعدهم فقه النصوص الشرعية وفهمها وأنه لا يمكن الاستغناء عنها بحال، وكثير من أدعياء ترك التقليد وعدم الاعتداد بأقوال الفقهاء كثير منهم هو في حقيقته مقلد لنفسه متبع لفهمه السقيم وليس متبعا للدليل والنصوص الشرعية ولذا، تجد الواحد منهم يأتي بأقوال لا زمام لها ولا خطام وربما خالف الإجماع بحجة اتباع الدليل، وسبب وقوعهم في هذا قلةُ العلمِ وعدمُ التأصيل الصحيح في طلبه والاعتدادُ بالنفسِ وعدم معرفة مقدارها، ورحم الله الإمام أبا عمرو بن العلاء أحد أئمة الدين وأحد القراء السبعة المشهورين فقد أُثِرَ عنه أنه قال: ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ نبت في أصول نخل طوال ـ قال هذا مع ما بلغه من العلم والإمامة في الدين.
والله أعلم.