الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لوالدك المغفرة والرحمة، وأن يجزيه خيرا على ما اجتهد فيه من تحري العدل بينكم. ثم نقول:
أولا: تقسيم الشخص لأمواله حال حياته: إن كان على سبيل الهبة الناجزة في حياته، فلا بأس به. أما إن كان على سبيل الوصية، أو الميراث، فلا يجوز. وانظر الفتويين التاليتين: 43819، 52050 وما أحيل عليه فيهما.
ثانيا: قد اختلف العلماء في حكم التعديل بين الأبناء في الهبة، هل هو واجب، أو مستحب؟ كما اختلفوا في كيفية العدل بينهم: هل يكون بإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين، أم بالتسوية بين الذكر والأنثى؟ وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6242
ثالثا: في ضوء ما سبق نقول:
كتابة الوالد لعمارة الدمام، إن كانت على سبيل الوصية: فإن تصرفه خاطئ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. أخرجه أصحاب السنن. ولتعلم والدتك أن تلك الوصية (على فرض وقوعها) غير لازمة، وغير مشروعة أصلا. وعلى هذا، فلا تجوز تلك الوصية إلا بموافقة جميع الورثة.
أما إن كانت تلك الكتابة على سبيل الهبة الناجزة حال حياته، بحيث رفع عنها يده في حياته، وحازتها هي، فإن تصرف الوالد يكون صحيحا، أما أرض الإحساء فهي تركة؛ لأن هبتها لم تتم حسبما يظهر من العبارة (سأكتبها )
ثم نقول أيضا:
- ما حازه الموهوب له في حياة الواهب، مما وهب له، فقد ثبت حقه فيه بموت الوالد قبل تعديله، إن كان فيه جور، أو الرجوع فيه، وهذا عند أكثر أهل العلم، كما سبق في الفتويين: 276346، 5348
- أما ما لم يحزه الموهوب له في حياة الأب، فتبطل فيه الهبة، ويصير ميراثا كسائر تركة المتوفى. وانظر الفتويين: 100430، 232318وما أحيل عليه فيها.
والتركة إنما تقسم على حسب القسمة الشرعية، فيكون لزوجة المتوفى الثمن، والباقي يقسم بين الأبناء والبنات، للذكر مثل حظ الأنثيين. هذا ما لم يكن هناك ورثة آخرون غير من ذكروا.
رابعا: على تقدير وقوع خطأ من الوالد: فإن كان هذا بسبب عدم علمه بأحكام الهبة، والميراث، فنرجو له العفو والتجاوز من الله جل وعلا، لا سيما وأن الظاهر تحري والدك للحق والعدل. وقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}. قال الله في جوابها: قد فعلت. رواه مسلم، وفي الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
خامسا: إن كان هناك خطأ، أو جور في قسمة هبات والدك النافذة حال حياته، ورأيتم تصحيحه تحقيقا للعدل، فهذا أفضل.
قال في المغني: ولا خلاف في أنه يستحب لمن أُعطِي أن يساوي أخاه في عطيته, ولذلك أمر أبو بكر، وعمر -رضي الله عنهما-, قيس بن سعد, برد قسمة أبيه ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه. اهـ.
وأيضا خروجا من خلاف العلماء في وجوب ذلك، فقد ذهب بعضهم- كشيخ الإسلام ابن تيمية - إلى وجوب تعديل الهبة الجائرة ولو بعد وفاة الواهب. فقال رحمه الله: ولا يجوز للولد الذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يرد ذلك في حياة الظالم الجائر، وبعد موته، كما يرد في حياته في أصح قولي العلماء. اهـ.
وقال: لا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به. اهـ. من مجموع الفتاوى.
هذا، وننبه إلى أن التسوية بين الأولاد في النفقات غير لازمة، وإنما تكون بحسب الحاجة. وانظر الفتويين التاليتين: 154523، 180001
والله أعلم.