الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالمريض ـ بالمرض المشار إليه أو غيره ـ إذا شق عليه أداء كل صلاة في وقتها جاز له الجمع بين صلاة الظهر والعصر في وقت إحداهما، وجاز له الجمع بين صلاة المغرب والعشاء في وقت إحداهما، وإذا لم يشق عليه أداء كل صلاة في وقتها لم يجز له الجمع، جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَرِيضِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَال: جَمَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ ـ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِعُذْرٍ، فَيَجْمَعُ لِلْمَرَضِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ لَمَّا كَانَتَا مُسْتَحَاضَتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ وَتَعْجِيل الْعَصْرِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِغُسْلٍ وَاحِدٍ.... إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْجَمْعَ الْجَائِزَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ هُوَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ فَقَطْ لِمَنْ خَافَ الإْغْمَاءَ أَوِ الْحُمَّى أَوْ غَيْرَهُمَا، وَإِنْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الأْمْرَاضِ وَلَمْ تُصِبْهُ أَعَادَ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِهَا، أَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَرِيضَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَالْمُسَافِرِ، فَإِنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الأْمْرَانِ فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى... وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هُوَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ بِتَأْدِيَةِ كُل صَلاَةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ، وَإِلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَرِيضِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَابْنُ الْمُقْرِي وَالْمُتَوَلِّي، وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، وَقَال الإْمَامُ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ جِدًّا، قَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالأْوْلَى أَنْ يَفْعَل أَرْفَقَهُمَا بِهِ. اهـ.
والله أعلم.