الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 99229 أن العبوسة في وجوه الناس تتنافى مع ما أمر الله به من الإحسان والبشاشة. وراجع للفائدة الفتويين: 61340، 66972.
وانظر شرح حديث: ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. بالفتوى رقم: 66972.
وقد جاء في الحديث: أعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجزَ عَن الدُّعاءِ، وأبخَلُ الناس من بخل بالسلام. رواه ابن حبان، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
قال المناوي في فيض القدير: (وأبخل الناس) أي أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل (من بخل بالسلام) على من لقيه من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم، فإنه خفيف المؤنة عظيم المثوبة، فلا يهمله إلا من بخل بالقربات وشح بالمثوبات، وتهاون بمراسم الشريعة أطلق عليه اسم البخل؛ لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام، وجعله أبخل لكونه من بخل بالمال معذور في الجملة، لأنه محبوب للنفوس عديل للروح بحسب الطبع والغريزة، ففي بذله قهر للنفس. وأما السلام فليس فيه بذل مال فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق فهو أبخل من كل بخيل. انتهى.
فإذا كان هذا في البخل بالسلام؛ فكيف البخل بالابتسامة، لماذا يحرم الإنسان نفسه من هذا الخير؟!
سئل الشيخ: سلمان العودة: ذكرت أن الإنسان يثاب عندما يتبسم في وجه أخيه، فهل يأثم إذا عبس في وجهه؟ الجواب: إذا كان عبوسه هذا يضر به، فيكفيه نقصاً، أنه يحرم من الخير والأجر، وقد يترتب على هذا العبوس ضرر وتقصير في حق أخيك المسلم، ولا ينبغي لك ذلك إلا أن يكون لذلك سبب. انتهى.
فإذا بلغ الأمر إلى تصعير الوجه؛ فهو محرم، نهى الله عز وجل عنه؛ قال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {لقمان:18}.
وقد أورد ابن أبي حاتم آثاراً في تفسيرها توضح المعنى؛ فقال: قوله تعالى: ولا تصعر خدك للناس عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ولا تصعر خدك للناس يقول: لا تتكبر. فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ولا تصعر خدك للناس قال: هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر. عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: ولا تصعر خدك للناس، يقول: لا تعرض وجهك عن فقراء الناس تكبرا. عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: ولا تصعر خدك للناس قال: ليكن الفقير والغني عندك في العلم سواء، وقد عوتب النبي صلى الله عليه وسلم (عبس وتولى). انتهى.
قال القرطبي: والأصعر: المعرض بوجهه كبرا، وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم. وفي الحديث: (كل صعار ملعون) أي كل ذي أبهة وكبر.
الثانية- معنى الآية: ولا تمل خدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم. وهذا تأويل ابن عباس وجماعة. وقيل: هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره، فالمعنى: أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه. وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. انتهى.
ونوصيك بمراجعة قسم الاستشارات من موقعنا.
والله أعلم.