الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلعل السائل -الكريم- يسأل عن تلك القصة التي أوردها كثير من المفسرين عند تفسير قول الله -تبارك وتعالى-: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحج:52].
والقصة رواها الطبري، وابن أبي حاتم، والبزار، وابن مردويه، وملخصها - كما في الفتح- أن النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ بمكة "والنجم" فلما بلغ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم:20]، ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين، وسجد معهم المشركون، فكان هذا سبب نزول قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ....
وهذه القصة ضعف الحفاظ سندها ومتنها وقالوا: إنها لا تصح شرعاً ولا عقلا بهذه الكيفية، بل قال ابن خزيمة: إنها من وضع الزنادقة. اهـ.
وقال ابن العربي: إنها باطلة لا أصل لها. اهـ.
وقد ردها القاضي عياض واستدل على بطلانها بأن ذلك لو وقع لارتد كثير من المسلمين، وأن الشيطان لا سبيل له ولا سلطان على عباد الله المخلصين، وأحرى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الزيادة والنقص في الوحي.
وقال الحافظ في الفتح -بعد ما ذكر مبحثًا طويلاً في هذا الموضوع- والأقوال الواردة فيه عن أهل العلم: وكثرة الطرق تدل على أن للرواية أصلاً.
وقيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات، ونطق بتلك الكلمات محاكياً نغمته بحيث يظن من سمعه أنها من قوله وأشاعها، قال: وهذا أحسن الوجوه، ويؤيده ما تقدم عن ابن عباس من تفسير "تمنى" بِتَلَا.
ثم قال: واستحسن ابن العربي هذا التأويل....، وقال: في أمنيته، أي في تلاوته، فأخبر الله تعالى أن سنته في أنبيائه وسيرته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص في أن الشيطان هو الذي زاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قاله، قال: وقد سبق إلى هذا المعنى الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب هذا المعنى وحَوَّم عليه. اهـ.
والحاصل أن هذه القصة ضعيفة السند، وأنه يستحيل شرعاً وعقلاً أن يلقي الشيطان على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الألفاظ الشركية الفاسدة، وإذا اعتبرنا أن لها أصلاً، فيمكن أن يقال: إن الشيطان هو الذي زاد في الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقطع قراءته فيقف عند كل آية، فيتبع الشيطان تلك السكتات فقال بعد وقفة "ومناة الثالثة الأخرى" "تلك الغرانقة العلا، وإن شفاعتهن لترجى" فأما المشركون والذين في قلوبهم مرض فنسبوها للنبي -صلى الله عليه وسلم- بجهلهم حتى سجدوا معه اعتقاداً منهم أنه أثنى على آلهتهم.
وعلم الذين أوتوا العلم أن القرآن حق من عند الله تعالى لا يلتبس مع غيره. هذا ملخص ما حققه ابن العربي. وهذا إذا كان السؤال عن ما ألقاه الشيطان أثناء قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وظن المشركون أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، هو قاله، ولمزيد من الفائدة عنه نرجو الاطلاع على الفتوى: 22950.
أما إذا كان السؤال عما يعرف بكتاب الآيات الشيطانية لسلمان رشدي: فإنه كتاب تافه مليء بالكذب والكفر والطعن في الدين لا يستحق السؤال عنه ولا الإجابة عليه، وقد سبقت الإجابة عنه في الفتوى: 15728.
والله أعلم.