الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فههنا مسألتان:
الأولى: حكم الجهر أو الإسرار في الصلاة المقضية، وللعلماء في ذلك خلاف بيناه في الفتوى رقم: 244714. فالكثير منهم على أن الصلاة تقضى كما فاتت؛ فإن كانت سرية أسر فيها، وإن كانت جهرية جهر فيها، وقد قال بهذا من المتأخرين: الشيخ/ ابن باز، والشيخ/ ابن عثيمين -رحمهما الله-، وساق ابن عثيمين أدلة لترجيح هذا القول، كما بينا في الفتوى المحال عليها .
الثانية: اقتداء من يصلي قضاء بمن يصلي أداء أو العكس، وللعلماء -أيضًا- فيه خلاف بيناه في الفتوى رقم: 279019، والجمهور على أنه لا يصح، وقال الشافعية بصحته، وهو الراجح، كما بينا في الفتوى رقم: 24949.
ولا فرق -على القول بالصحة- بين أن تختلف عين صلاة المأموم عن صلاة الإمام، كما في الحالة المسؤول عنها أو تتفقا؛ يقول العلامة/ ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا كان السبب شرعيًّا وأتى إلى المسجد وهم يصلون العصر فهو بالخيار؛ إن شاء صلى معهم بنية العصر، فإذا فرغوا صلى الظهر، ويسقط الترتيب حينئذ؛ لئلا تفوت الجماعة، وإن شاء صلى معهم العصر بنية الظهر، ولا يضر اختلاف النية؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا) (1). فبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معنى الاختلاف عليه، ولهذا جاءت (لا تختلفوا عليه)، ولم يقل (لا تختلفوا عنه)، بل قال: (عليه) مما يدل على أن المراد المخالفة في الأفعال، وقد فسر ذلك في نفس الحديث فقال: (فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا...) إلخ. أما النية: فإنها عمل باطن لا يظهر فيها الاختلاف على الإمام ولو اختلفت، وعلى هذا؛ فإنه يدخل معهم بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر، ثم إذا انتهوا من الصلاة يأتي بصلاة العصر، وهذا عندي أولى من الوجه الذي قبله. اهـ. بتصرف يسير.
وبهذا تعلم: أن ما فعلت من الإسرار في الصلاة المقضية صحيح موافق لمذهب الجمهور، وكذا ما أخبرت به من صحة صلاة من اقتدى بك، فإنه موافق لمذهب الشافعية، وهو الراجح كما قدمنا.
والله أعلم.