الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخشوع هو روح الصلاة، فإذا فقد من الصلاة كانت مجرد حركات لا حياة فيها، وقد ربط الله ـ عز وجل ـ فلاح المؤمنين بخشوعهم في صلاتهم، فقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون:1/2}،
قال ابن جزي في التفسير: الخشوع حالة في القلب من الخوف والمراقبة والتذلل لعظمة المولى جل جلاله، ثم يظهر أثر ذلك على الجوارح بالسكون، والإقبال على الصلاة، وعدم الالتفات والبكاء والتضرع... والصواب أنه أمر زائد على حضور القلب، فقد يحضر القلب ولا يخشع.
وينبغي للمسلم أن يحرص على تحصيله وذلك بكثرة التجائه إلى الله تعالى وتضرعه إليه أن يرزقه إياه، وأن يأخذ بالأسباب التي تعين عليه، ومنها: تدبر ما يقرأ من القرآن، وتعقل معنى ما يقول من الأذكار.
ومن ذلك أن يستشعر أنه واقف بين يدي الله تعالى والله تعالى مطلع على ما في سره وعلنه، وأنه ليس من الأدب مع الله تعالى أن يتشاغل بأمور دنيوية تافهة وهو واقف بين يديه يزعم أنه يناجيه ويخاطبه بقوله: "إياك نبعد وإياك نستعين"
ومنه الابتعاد عما يشتت خاطره من صور وزخارف وصخب ولغط أثناء أداء الصلاة،
ومنه أيضا استحضار أن من لم يخشع في صلاته فقد فوت على نفسه ذوق طعم لذة المناجاة لله تعالى، والتي هي ألذ ما يتلذذ به المؤمن، إلى غير ذلك من الأسباب النافعة بإذن الله تعالى...
وأما عن قبول الصلاة أو غيرها من الأعمال فعلمه عند الله تعالى، ولكن الذي لا شك فيه أن المسلم إذا أدى العبادة على الوجه الصحيح وأخلص القصد لله فيها فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يضيع أجر من أحسن عملا.
والقبول أنواع كما قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في المنار المنيف: وَالْقَبُولُ لَهُ أَنْوَاعٌ؛ قَبُولُ رِضَا وَمَحَبَّةٍ وَاعْتِدَادٍ وَمُبَاهَاةٍ وَثَنَاءٍ عَلَى الْعَامِلِ بِهِ بَيْنَ الْمَلأ الأَعْلَى، وَقَبُولُ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الأَوَّلِ، وَقَبُولُ إِسْقَاطٍ لِلْعِقَابِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَجَزَاءٌ؛ كَقَبُولِ صَلاةِ مَنْ لَمْ يُحْضِرْ قَلبَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلاتِهِ إِلا مَا عَقِلَ مِنْهَا؛ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَلا يُثَابُ عَلَيْهَا.
والله أعلم.