الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالأمر في الكحول كما ذكرنا من أن فيها ما هو مسكر نجس، ومنها ما هو سم قاتل وليس مسكرا نجسا، فهو طاهر، وإذا اشتبه على الإنسان الكحول من أي النوعين هو، وتعذر عليه العلم: فإنه يجري فيه كلام الفقهاء فيمن اشتبه عليه طاهر بنجس، ولم يكن في اجتنابهما مشقة: أنه يجب اجتنابهما من غير تحرٍّ.
قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في كتابه اللمع في أصول الفقه: إذا أمر باجتناب شيء، ولم يمكنه الاجتناب إلا باجتناب غيره، فهذا على ضربين: أحدهما: أن يكون في اجتناب الجميع مشقة، فيسقط حكم المحرم فيه، فيسقط عنه فرض الاجتناب، وهو كما إذا وقع في الماء الكثير نجاسة، أو اختلطت أخته بنساء بلد، فلا يمنع من الوضوء بالماء، ولا من نكاح نساء ذلك البلد.
والثاني: أن لا يكون في اجتناب الجميع مشقة، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون المحرم مختلطا بالمباح كالنجاسة في الماء القليل، فيجب اجتناب الجميع.
والثاني: أن يكون غير مختلط إلا أنه لا يعرف المباح بعينه. فهذا على ضربين: ضرب يجوز فيه التحري، وهو كالماء الطاهر إذا اشتبه بالماء النجس فيتحرى فيه. وضرب لا يجوز فيه التحري، وهو الأخت إذا اختلطت بأجنبية، والماء إذا اشتبه بالبول، فيجب اجتناب الجميع. اهـ.
واشتباه الكحول المسكرة، بغير المسكرة، من هذا الباب الأخير، كاشتباه الماء بالبول، يجب اجتناب الجميع إذا كان المراد منه التعطر؛ لأنه لا مشقة في اجتنابه. وأما إذا كان منه العلاج، فإنه يدخل فيما في تركه مشقة، فيسقط حكم المحرم، ويجوز استعمال المشتبه منه.
فإذا احتاجت والدتك إلى العلاج بما فيه كحول، ولم تعلموا هل هو من قبيل الطاهر أو النجس، وشق عليكم إيجاد علاج بديل، فلا حرج في استعماله. وانظري الفتوى رقم: 188401 عن حكم التداوي بما فيه كحول.
وانظري أيضا للفائدة الفتوى رقم: 156733.
والله أعلم.