الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن كان إلزام نفسك وقع على سبيل النذر: فإن الإقدام على النذر مكروه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه.
قال في المغني: وَلَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْر، وَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِن الْبَخِيلِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا مَدَحَ الْمُوفِينَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا، لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَفَاضِلُ أَصْحَابِه. اهـ.
ولكن يلزمك الوفاء بنذرك في قول أكثر أهل العلم؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ... رواه البخاري.
قال ابن قدامة في نذر الطاعة من غير شرط: النَّوْعُ الثَّانِي: الْتِزَامُ طَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. اهـــ.
وانظر الفتوى رقم: 102449 في بيان الصيغة التي ينعقد بها النذر.
وأما إذا ألزمت نفسك بحملها على تلك الصدقة، وذلك القدر من قراءة القرآن من غير نذر: فإنه لا يلزمك الوفاء به، ولا حرج عليك في حمل نفسك على الطاعة، ولا يعتبر بدعة في الدين؛ لأن الصدقة، وقراءة القرآن مطلوبان شرعا. فإذا حمل المسلم نفسه على فعلهما كل يوم، فهو على خير عظيم، ولا يصير بدعة بالتزام مقدار معين، ما لم يعتقد خصوصية هذا المقدار، وفضله دون ما سواه.
والله أعلم.