الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكذب هو: الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه ـ وأما الإخبار ببعض الرؤيا وكتم بعضها لمصلحة، فإنه لا يعتبر من الكذب في الرؤيا، إلا إذا كان البعض المكتوم مخصصا أو مقيدا للمذكور منها بحيث يكون حذفه مفيدا خلاف ما رئي بالفعل، وذكر أهل العلم أنه ينبغي كتمان الرؤيا أحيانا، وعدم التحدث بها إذا خشي الإنسان على نفسه الحسد، والكيد من الناس، أو كانت الرؤيا فيها ما يفزع، ومن هذا الباب ما كان من يعقوب ـ عليه السلام ـ عندما أمر ابنه يوسف عليه السلام أن يكتم رؤياه عن إخوته، لئلا يكيدوا له كيدًا، قال سبحانه حكاية عنه: قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يوسف: 5}.
وفي حديث أبي قتادة عند مسلم قال: كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره.
وكما لا يحرم كتم بعض الخبر الذي حصل في اليقظة لمصلحة، فلا يحرم ولا يعد من الكذب كتم بعض الرؤيا، وأما الكذب فيها بذكر شيء لم يقع فهو حرام، لما في حديث البخاري: إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
وفي رواية أحمد وابن حبان والحاكم: أن يفتري الرجل على عينيه فيقول: رأيت، ولم ير في المنام شيئا. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين. رواه البخاري.
والله أعلم.