الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي البداية نهنئك على ما تقومه به من قيام الليل, وتلاوة القرآن, ونرجو الله تعالى لك التوفيق لطاعته, ثم إن اشتغالك بتلاوة القرآن حتى تفوتك صلاة الجماعة في المسجد خطأ واضح, فصلاة الجماعة واجبة في المسجد عند كثير من أهل العلم على من يسمع النداء، جاء في فتاوى الشيخ ابن باز: وليس لأحد أن يصلي وحده سواء كان مسافرا أو مقيما في محل تقام فيه الجماعة، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم معهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر » أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناده على شرط مسلم. انتهى، وراجع المزيد في الفتوى رقم: 34242، والفتوى رقم: 36549.
كما ينبغي لك المبادرة إلى المسجد لإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام, فقد روى الترمذي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق. وهذا الحديث قد حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 279109، بعض النصوص الشرعية المشتملة على الترغيب والترهيب في شأن تعمد تفويت الركعة الأولى مع الإمام فراجعها إن شئت.
ثم إنا ننبهك على أن من مكايد الشيطان شغل المسلم بالعمل المفضول عن العمل الفاضل ليحرمه كثرة الثواب, جاء في بدائع الفوائد لابن القيم متحدثا عن مراتب كيد الشيطان :
فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إلى المرتبة السادسة: وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقلَّ من يتنبه لهذا من الناس فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير فيقول هذا الداعي من الله وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا وأجل وأفضل، وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله تعالى ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم. انتهى
والله أعلم.