الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنعتذر للسائل عن عدم تمكننا من رؤية الصورة على الرابط المذكور في السؤال.
لكننا نفيده بأن رسم ذوات الأرواح باليد محرم عند جماهير العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. رواه مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما.
والصورة غير الواضحة بحيث من يراها لا يمكنه تمييز ملامحها، أو لا توجد فيها ملامح أصلا، فهذه لا تدخل في النهي ـ إن شاء الله ـ وهي أولى بذلك من الصور الصغيرة المتضحة المعالم والتي قد أجازها طائفة من أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: صرح الحنفية أن الصور الصغيرة لا يشملها تحريم الاقتناء والاستعمال، بناء على أنه ليس من عادة عباد الصور أن يستعملوها كذلك، وضبطوا حد الصغر بضوابط مختلفة، قال بعضهم: أن تكون بحيث لا تبدو للناظر إلا بتبصر بليغ، وقال بعضهم: أن لا تبدو من بعيد، وقال صاحب الدر: هي التي لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر قائما وهي على الأرض. انتهى. وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 128134.
وإذا تقرر هذا؛ فيجوز لك أن تقتصر في رسم الصورة على الوجه وحده أو العين وحدها أو الجسم وحده دون رأس، فقد صرح أهل العلم بأن حذف جزء من الصورة ـ لا تتم الحياة إلا به ـ يخرجها عن الصورة المنهي عنها. قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: فَإِنْ قَطَعَ رَأْسَ الصُّورَةِ، ذَهَبَتْ الْكَرَاهَةُ, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلِيس بِصُورَةٍ, وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَتَيْتُك الْبَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْت إلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ سِتْرٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ، فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي عَلَى الْبَابِ فَيُقْطَعُ، فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَر، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْتُقْطَعْ مِنْهُ وِسَادَتَانِ مَنْبُوذَتَانِ يُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَلْيُخْرَجْ, فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا لَا يُبْقِي الْحَيَوَانَ بَعْدَ ذَهَابِهِ، كَصَدْرِهِ, أَوْ بَطْنِهِ، أَوْ جُعِلَ لَهُ رَأْسٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ بَدَنِهِ، لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ لَا تَبْقَى بَعْدَ ذَهَابِهِ، فَهُوَ كَقَطْعِ الرَّأْسِ, وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ يُبْقِي الْحَيَوَانَ بَعْدَهُ، كَالْعَيْنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَهُوَ صُورَةٌ دَاخِلَةٌ تَحْتَ النَّهْيِ. انتهى.
وكذلك لا بأس برسم ما لا روح فيه كالأشجار والشمس والقمر ونحو ذلك من مناظر الطبيعة، لما ثبت في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أدخل البيت الذي كنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل... إلى قوله: فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة... الحديث. قال في عون المعبود: لأن الشجر ونحوه مما لا روح فيه لا يحرم صنعته ولا التكسب به من غير فرق بين الشجرة المثمرة وغيرها. انتهى
وننصحك ـ أيها السائل ـ أن تشغل نفسك بدلاً من ذلك بما يعود عليك بالنفع في آخرتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
والله أعلم.