الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النور هنا اختلف في حمله على نور الهدى، أو الإيمان، أو النور الذي يسعى بين أيديهم في الآخرة، أو القرآن، فقد جاء في تفسير القرطبي: ويجعل لكم نورا ـ أي بيانا وهدى، عن مجاهد، وقال ابن عباس: هو القرآن، وقيل: ضياء: تمشون به ـ في الآخرة على الصراط، وفي القيامة إلى الجنة، وقيل تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام، فتكونون رؤساء في دين الإسلام لا تزول عنكم رئاسة كنتم فيها، وذلك أنهم خافوا أن تزول رئاستهم لو آمنوا بمحمد عليه السلام وإنما كان يفوتهم أخذ رشوة يسيرة من الضعفة بتحريف أحكام الله، لا الرياسة الحقيقية في الدين. اهـ.
وفي تفسير البغوي: ويجعل لكم نورا تمشون به ـ قال ابن عباس ومقاتل: يعني على الصراط، كما قال: نورهم يسعى بين أيديهم {التحريم: 8} ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النور هو القرآن، وقال مجاهد: هو الهدى والبيان، أي يجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به. اهـ.
وفي زاد المسير في علم التفسير: قوله عز وجل: ويجعل لكم نورا ـ فيه أربعة أقوال:
أحدها: القرآن، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: تمشون به على الصراط، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: الهدى، قاله مجاهد.
والرابع: الإيمان، قاله ابن السائب. اهـ.
ولا شك أن القرآن نور منحه الله لعباده ليستنيروا به في طريق الهداية، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً {النساء:174}.
وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الشورى:52}.
ولكن الآية المذكورة في السؤال يراد بها الترغيب في التقوى والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تأت للترغيب في التلاوة، ولو أن القارئ قرأ شيئا من القرآن وسأل الله تعالى به أن يعينه على أمر ما، فلا حرج في ذلك إن كان الأمر مباحا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه عنه عمران بن حصين: من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن ـ وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: فليسأل الله به, أي: فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والآخرة، أو المراد أنه إذا مر بآية رحمة فليسألها من الله تعالى، وإما أن يدعو الله عقيب القراءة بالأدعية المأثورة. اهـ.
والله أعلم.