الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن التكلف البين والتنطع الممجوج أن يمتنع الإنسان عن أكل اللحوم المذبوحة في بلاد المسلمين حتى يعلم أعيان ذابحيها، وبيان ذلك من وجوه:
1ـ الأصل في ذبائح بلاد المسلمين الحل؛ عملا بغالب الظن، قال السيوطي في الأشباه والنظائر: الفائدة الثانية: قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني : الشك على ثلاثة أضرب، شك طرأ على أصل حرام، وشك طرأ على أصل مباح، وشك لا يعرف أصله. فالأول مثل أن يجد شاة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلا يحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأنها أصلها حرام، وشككنا في الذكاة المبيحة، فلو كان الغالب فيها المسلمون جاز الأكل عملاً بالغالب المفيد للظهور.
2ـ عند الشك في معتقد المسلم وصحة توحيده فإنه يحمل على الصحة ما لم يثبت ما يفيد كفره؛ استصحابا للأصل حتى يترجح خلافه، قال ابن حزم: وكل ما غاب عنا مما ذكاه مسلم فاسق أو جاهل أو كتابي فحلال أكله، لما روى البخاري عن عائشة: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري، أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال عليه السلام: سموا الله أنتم وكلوا. انتهى.
3ـ على تقدير فساد معتقد غالب المسلمين في بلدة ما، فإن هذا لا يكفي لتحريم ذبائحهم طالما كان محكوما بإسلامهم؛ عملا بالأصل، فمن كان محكوما بإسلامه بيقين فلا يزول عنه وصف الإسلام إلا بيقين لا بشك، وعلى هذا فتلزم إقامة الحجة على صاحب المعتقد الفاسد من المسلمين قبل الحكم عليه بالكفر وتحريم ذبيحته، وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 125628، 176653، وما أحيل عليه فيهما.
وبذلك يتضح مدى تلاعب الشيطان بمن يمتنع عن أكل اللحوم التي ذبحها المسلمون دون النصارى، فهذا لا يتأتى إلا ممن يرى كفر أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا هو الغلو، أن يتسرع المسلم في الحكم بتكفير الناس جملة دون إعمال الضوابط الشرعية لذلك، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 721.
والله أعلم.