الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن من القواعد العظيمة في الشريعة الإسلامية: أن الأصل في الأطعمة باستثناء اللذبائح هو الحل والإباحة، ولا يخرج من هذا الأصل إلا بدليل، وأما مجرد الشك في حل الأطعمة، فلا يوجب تحريمها، بل تبقى على أصل الإباحة، وهذا من رحمة الله بالعباد، ومن سماحة الإسلام ويسره، ونبذه للآصار والأغلال. فلا يجب -بل لا يشرع -أن يتفقد الشخص مكونات الأطعمة المباحة، وأن يتتبع مصادرها، بل يعمل بالظاهر، ولا يبحث إلا إذا وجدت قرينة قوية توجب الاشتباه في حل الطعام، وأما تكلف البحث عن أصل كل ما ظاهره الحل والإباحة، فمن التنطع المذموم، وراجع في هذا الفتوى رقم: 250555.
وأما بخصوص المادة التي سألت عنها: فقد سبق أن أفتينا بأن الأطعمة المضاف إليها مثل هذه المادة، الأصل أنها مباحة، حتى يثبت ما يقتضي تحريمها، وأن الشك في ذلك لا يوجب التحريم، كما في الفتوى رقم: 211582، والفتوى رقم: 219985، والفتوى رقم:210799.
وجاء في فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: يكتب ضمن محتويات بعض المأكولات حرف "إي" (E) باللغة الإنجليزية، مضافا إليها رقم، وقيل: هذا يعني أنها تحتوي على مواد مصنعة من دهن، أو عظم الخنزير. فلو ثبت هذا الأمر، فما هو الحكم الشرعي في تلك المأكولات؟
الجواب: هذه المواد المشار إليها بحرف (إي) مضافا إليها رقم، هي مركبات إضافية يزيد عددها على (350 مركبا) وهي إما أن تكون من: الحافظات، أو الملونات، أو المحسنات، أو المحليات، أو غير ذلك. وتنقسم بحسب المنشأ إلى أربع فئات:
الفئة الأولى: مركبات ذات منشأ كيميائي صُنعي.
الفئة الثانية: مركبات ذات منشأ نباتي.
الفئة الثالثة: مركبات ذات منشأ حيواني.
الفئة الرابعة: مركبات تستعمل منحَلَّة في مادة (الكحول).
والحكم فيها أنها لا تؤثر على حل الطعام، أو الشراب؛ وذلك لما يأتي:
أما الفئة الأولى، والثانية: فلأنها من أصل مباح، ولا ضرر باستعمالها.
وأما الفئة الثالثة: فإنها لا تبقى على أصلها الحيواني، وإنما تطرأ عليها استحالة كيميائية تُغَيِّرُ طبيعتَها تغييرا تاما، بحث تتحول إلى مادة جديدة طاهرة، وهذا التغيير مؤثر على الحكم الشرعي في تلك المواد، فإنها لو كانت عينها محرمة، أو نجسة فالاستحالة إلى مادة جديدة يجعل لها حكما جديدا، كالخمر إذا تحولت خلا فإنها تكون طيبة طاهرة، وتخرج بذلك التحول عن حكم الخمر.
وأما الفئة الرابعة: فإنها تكون غالبا في المواد الملونة، وعادة يستخدم من محلولها كمية ضئيلة جدا، تكون مستهلكة في المادة الناتجة النهائية، وهذا معفو عنه.
إذن فما كان من الأطعمة، أو الأشربة يتضمن في تركيبه شيئا من هذه المواد، فهو باق على الإباحة الأصلية، ولا حرج على المسلم في تناوله. وديننا يسر، وقد نهانا عن التكلف، والبحثُ والتنقيبُ عن مثل ذلك ليس مما أمرنا به الله تعالى ولا رسوله. اهـ.
ونعتذر عن الدخول على الرابط المرسل في السؤال، والحكم على محتواه.
والله أعلم.