الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن المعلوم عادة شفقة الوالدين على ابنتهم، وحرصهم على ما فيه مصلحتها، ودفع الضر عنها، وما ذكرته عن والديك يخالف هذا تمامًا، وخاصة فيما يتعلق باتهامهما إياك في عرضك، فإن صح ذلك عنهما فقد أتيا بهتانًا وإثمًا مبينًا، وراجعي في القذف وخطورته وعقوبته الفتوى رقم: 97927، فنوصيك أولًا بالدعاء لهما بأن يرزقهما ربهما الرشد والصواب، ثم عليك بمناصحتهما بالحسنى.
ولا بأس بأن تسلطي عليهما فضلاء الناس، ويجب عليك برهما، والإحسان إليهما، رغم ظلمهما لك، وإساءتهما إليك، فذلك لا يسقط هذا الواجب عنك، وراجعي الفتوى رقم: 3459.
وقد أحسنت بحرصك على التواصل معهما، فاصبري على ذلك ما أمكنك، ففي ذلك رفعة للدرجات، وكفارة للسيئات، فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الصَّدَقَاتِ أَيُّهَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ. رواه أحمد. والكاشح هو المضمر العداوة.
قال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه، وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وتصل من قطعك. اهـ.
وإذا كان اتصالك بهما تترتب عليه مفسدة أعظم، فتعاهديهما بغير ذلك من أنواع الصلة، كالإهداء لهما، ونحو ذلك، مما قد يطيب خواطرهما، وراجعي الفتوى رقم: 56848، والفتوى رقم: 108442، فما ذكرت من أمر الابتعاد عنهم يتعلق بمدى المصلحة الشرعية في ذلك من المفسدة، وإلا فالصلة هي الأصل، وهي الواجب -كما أسلفنا-.
وأما السؤال عما إذا كان يجب على الزوج دفع الأذى عن زوجته، فلم نجد نصًّا بخصوصها، ولكن من المعلوم أن الشرع قد أمر بنصرة المظلوم، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا.
وقد نص أهل العلم على أن نصرة المظلوم من فروض الكفاية، قال النووي: أَمَّا نَصْر الْمَظْلُوم فَمِنْ فُرُوض الْكِفَايَة, وَهُوَ مِنْ جُمْلَة الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر, وَإِنَّمَا يَتَوَجَّه الْأَمْر بِهِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا. اهـ.
لكن إن كنت تسامحين في حقك، وتصبرين على الأذى، وترين المصلحة في إعراضه عن أذى أهلك لك، فلا يجب عليه نصرتك، والإعراض هنا أولى، وفيه تقليل للشر.
والله أعلم.