الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم تبين لنا العرق الذي لم تقطعه، وعلى كل حال؛ فإن كان العرق الذي تركته هو: الحلقوم -مجرى النفس-، أو أحد الودجين -وهما العرقان المحيطان بالحلق-؛ فإنها لا تحل عند المالكية إلا إذا تداركت قطعه بالقرب، وحدُّوا القرب بقطع ثلاثمائة باع إذا أنفذت المقاتل، وهو ما وقع معك؛ جاء في شرح الخرشي للمختصر: حد القرب ثلاثمائة باع، كما أفتى به ابن قداح أيام قضائه في ثور هرب قبل إتمام ذكاته، ثم أضجع، وأتمت ذكاته، وكانت مسافة هروبه نحوًا من [ثلاثمائة] باع، ومن المعلوم أن كلامه فيما إذا أنفذ شيئًا من مقاتله. انتهى.
أما إذا كان المتروك هو عرق المريء -مجرى الطعام-؛ فإنها تحل لعدم اشتراط قطع المريء عندهم -المالكية-.
وإن كان الذي تركت هو الحلقوم أو المريء؛ فإنها لا تحل عند الشافعية وأكثر الحنابلة، وتحل عندهما -الشافعية والحنابلة- إذا كان المتروك أحد الودجين أو هما معًا.
وذهب أبو حنيفة إلى أن ترك عرق واحد من أي العروق الأربعة لا يضر إذا قطعت منها ثلاثة من غير تعيين، وهو وجه عند الحنابلة، ورجحه ابن تيمية، كما جاء في مختصر الإنصاف، والشرح الكبير، ومنار السبيل؛ قالوا: "وذكر الشيخ تقي الدين وجهًا: يكفي قطع ثلاثة من الأربعة. وقال: إنه الأقوى".
وعلى هذا القول؛ فإن ترك عرق واحد من أي العروق لا يضر، وبهذا يتبين لك أن ما فعلت يعتبر ذكاة صحيحة تامة -إن شاء الله تعالى- ولو على بعض مذاهب العلماء. وانظر الفتوى رقم: 59863.
والله أعلم.