الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالزنا الذي يوجب الحدّ هو إيلاج الفرج في الفرج، وما سوى ذلك من الاستمتاع المحرم، فليس فيه حد، ولكن فيه التعزير، ولا ريب في شناعة الاستمتاع بالمحارم، سواء كان بالزنا أم بما دونه، ولا يسوغه الجهل، وعدم العلم بتفاصيل ما يترتب عليه، ولا الانحراف الفطري، لكن مهما عظم الذنب، فإن العبد إذا تاب، تاب الله عليه، فالواجب على هذا الرجل أن يستر على نفسه، ولا يخبر بذنبه أحدًا، ولا يلزمه رفع الأمر للقاضي ليقيم عليه الحدّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر: وفيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.
ولا حاجة له للبحث في أسباب وقوعه في هذا الذنب، وإنما الواجب عليه أن يبادر بالتوبة الصحيحة التي تمحو الذنب، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، وركن التوبة الأعظم هو الندم، والباعث عليه أن ينظر العبد إلى عظم جنايته؛ تعظيمًا لحقّ الله تعالى، وتصديقًا بالجزاء في الآخرة، قال ابن القيم -رحمه الله-:.. فَأَمَّا تَعْظِيمُ الْجِنَايَةِ: فَإِنَّهُ إِذَا اسْتَهَانَ بِهَا لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا، وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهَا يَكُونُ نَدَمُهُ عَلَى ارْتِكَابِهَا، فَإِنَّ مَنِ اسْتَهَانَ بِإِضَاعَةِ فِلْسٍ ـ مَثَلًا ـ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى إِضَاعَتِهِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ دِينَارٌ اشْتَدَّ نَدَمُهُ، وَعَظُمَتْ إِضَاعَتُهُ عِنْدَهُ، وَتَعْظِيمُ الْجِنَايَةِ يَصْدُرُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَعْظِيمُ الْأَمْرِ، وَتَعْظِيمُ الْآمِرِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَزَاءِ.
وانظر الفتوى رقم: 168081.
والله أعلم.