الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبخصوص السؤال الأول: فإنّ كتابة صريح الطلاق، في رسائل الجوال، أو غيرها، دون التلفظ به، مختلف في حكمها هل هي كالتلفظ بالصريح، لا تحتاج إلى نية؟ أم هي كناية تحتاج إلى النية؟ وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 167795.
فعلى القول بأنّ الكتابة كناية، فلم يقع طلاقك ما دام زوجك قصد بالرسالة تهديدك، ولم يقصد بها إيقاع الطلاق. وأما على القول باعتبارها كاللفظ الصريح، فقد وقع الطلاق، ومجرد معاشرته لك في عدتك، حصلت به الرجعة، عند بعض أهل العلم، وراجعي الفتوى رقم: 54195.
وبخصوص السؤال الثاني: فاعلمي أنّ جمهور أهل العلم بمن فيهم الأئمة الأربعة، على أن الحلف بالطلاق -سواء أريد به الطلاق، أو التهديد، أو المنع، أو الحث، أو التأكيد- يقع به الطلاق عند وقوع الحنث، وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث، يقع ثلاثاً، وهذا هو المفتى به عندنا، و بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث، لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق، وعند قصد الطلاق، يرى أنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظري الفتوى رقم: 11592.
وإذا فعلت الزوجة المحلوف عليه ناسية، ففي حصول الحنث حينئذ، خلاف بين أهل العلم.
قال البهوتي (الحنبلي): فمن حلف على زوجته، أو نحوها، لا تدخل دارا، فدخلتها مكرهة، لم يحنث مطلقا، وإن دخلتها جاهلة، أو ناسية، فعلى التفصيل السابق، فلا يحنث في غير طلاق، وعتاق، وفيهما الروايتان. كشاف القناع.
وقد رجحنا القول بعدم الحنث، في الفتوى رقم: 139800.
وإذا حصل شك في فعل المحلوف عليه، فلا يحكم بالحنث بناء على الشك.
قال المجد ابن تيمية (رحمه الله): إذا شك في الطلاق، أو في شرطه، بني على يقين النكاح. المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
وأما السؤال الثالث: فجوابه أنّ الطلاق باللفظ الصريح، لا يفتقر إلى نية، فيقع الطلاق ولو قصد به الزوج التهديد، ولا يمنع نفوذه غضب الزوج عند تلفظه به، ما دام عقله ثابتاً لم يزل بالكلية.
قال الرحيباني الحنبلي –رحمه الله-: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى.
والأولى في هذه المسائل التي فيها تفصيل، وخلاف بين أهل العلم، أن تعرض على من تمكن مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم.
والله أعلم.