الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان صديقك كما وصفت، فبئس الصديق هو، فإن من يتعامل مع الجن ويستخدمهم في التفريق بين الزوجين والكذب والاحتيال على الأموال، وغير ذلك من الصفات المذمومة التي أشرت إليها، لا ينبغي للمسلم أن يتخذه صديقا يأمنه على أسراره وأمواله، بل هذا ينبغي أن يفر منه فراره من الأسد.
وأما ما أجبرك عليه من الكذب على أبيه، فإن كان بغير قصد منك، وإنما أوقعك فيه من حيث لا تعلم، فلا شيء عليك، وكذلك لا شيء عليك إن كان إجباره لك بمعنى أكرهك إكراها ملجئا، وهو الإكراه من قادر وخشي منه تلف نفس أو عضو أو مال ونحوه، وما سوى ذلك فأنت مؤاخذ بإعانتك له على الكذب، فتجب التوبة، وراجع الفتوى رقم: 24683.
وأما أسراره التي تسأل عن جواز إخبار أبيه أو غيره من الناس بها ليفتضح أمره، ففيها تفصيل: فإن كانت هذه الأسرار ذنوبا فيما بينه وبينه ربه، ولا يترتب على كتمانها مفسدة من إضاعة حق مخلوق أو ظهور فساد في المجتمع، فالستر عليه حينئذ أولى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة. متفق عليه.
وأما إن كانت هذه الأسرار ذنوبا لها تعلق بحقوق المخلوقين كأن يكون سرق مالا من أبيه أو غيره، أو كانت هذه الأسرار ذنوبا لها تعلق بالشأن العام، وفي كتمانها ضرر على المجتمع، فمثل هذا يحذر منه ومن ذنوبه حتى تُرجع الحقوق إلى أهلها، ويُحفظ المجتمع من شره، خصوصا إن كان معروفا بالمعاصي، قال النووي في شرح صحيح مسلم: فأما المعروف بذلك ـ أي المعاصي ـ فيُستحب أن لا يستر عليه، بل تُرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. انتهى.
ولا يكون إفشاء سره في هذه الحال حراما، ولا تكون بذلك منافقا أو فاجرا، ولو أدى إفشاء سره إلى حرمانه من ميراث أبيه، فإن مفسدة السكوت عنه وعن ذنوبه أشد من مفسدة حرمانه من الميراث، مع أن حرمانه من الميراث أمر مشكوك في وقوعه، ولا يجوز إلا بسبب شرعي، وراجع الفتويين: 17592، 134384.
والله أعلم.