الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في سعيك في التحلل من تلك المظلمة، ولا بد للتوبة من ذلك الذنب من رد الحق، قال النووي ـ رحمه الله ـ في رياض الصالحين: قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا، فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته، وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها.
وما دمت تجهل مقدار الحق فيسعك أن تجتهد في مقداره بأن ترد ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، وتحتاط في ذلك حتى تبرئ ذمتك بيقين .
وليس لك التصدق به على الفقراء والمساكين عن صاحبه ما دام رده إليه ممكنا ولو بالوساطة؛ غير أنه لا يلزمك إعلامه أو إعلام الوسيط بالسرقة، والكيس الفطن لا يعدم حيلة يتحلل بها من الحق دون أن يضر نفسه أو يفضحها.
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً: فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب ـ مثلاً ـ إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا، وأخذت منك كذا وكذا، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم ـ مثلاً ـ من طريق آخر غير مباشر....
والله أعلم.