الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَدْ طَلَّقْتُكِ، قَدْ رَاجَعْتُكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى بلفظ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللهِ؛ طَلَّقْتُكِ، رَاجَعْتُكِ، طَلَّقْتُكِ، رَاجَعْتُكِ.
ورواه أبو حنيفة في مسنده.
وقد حسّن البوصيري إسناد ابن ماجه، قال في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: هَذَا إِسْنَاد حسن.
وكلمة: طلقتك، راجعتك ـ في الحديث محكية كقول القائل: قال فلان لزوجته: أنت طالق، فهذا لا يتناول حكم الإخبار بالطلاق ولا إنشاءه بالنسبة للحاكي، ولكنه يتناول التحذير من إنشاء الطلاق والرجعة، إما بقصد مضارة المرأة، وإما للإكثار من الطلاق بغير حاجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَرْتَجِعَ الْمَرْأَةَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تُشَارِفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُمْهِلَهَا حَتَّى تُشَارِفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، فَتَصِيرَ الْعِدَّةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَهَكَذَا.
وجاء في حاشية السندي على سنن ابن ماجه: يُرِيدُ أَنَّهُ يُكْثِرُ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ، بَلْ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّوْجَةِ حَتَّى يُكْثِرُوا الرَّجْعَةَ لِذَلِكَ.
أما الإخبار بالطلاق كذباً: فقد سبق أن بينا حكمه في فتاوى سابقة ورجحنا القول بعدم وقوع الطلاق به.
والمسائل المختلف في حكمها بين أهل العلم، يعمل المسلم فيها بما يغلب على ظنّه أنه الحق، إما بالنظر في الأدلة والعمل بأرجحها إن كان يقدر على ذلك، وإما بتقليد الأوثق في نفسه إن كان غير مؤهل للنظر في الأدلة، ويكفيه ذلك، قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده وقيل: يأخذ بقول من شاء من المفتين, وهو القول الصحيح، لأنه ليس من أهل الاجتهاد، وإنما عليه أن يرجع إلى قول عالم ثقة, وقد فعل ذلك, فوجب أن يكفيه. انتهى.
والله أعلم.