الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يحرم شراء الشيء المسروق إذا علم المشتري بأنه مسروق؛ لما في شرائه من إعانة السارق على الإثم والعدوان، الذي نهانا الله عنه بقوله: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
والواجب على المشتري في هذه الحالة: أن يرد العين المسروقة إلى صاحبها، ويطالب السارق بالثمن، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا سُرق من الرجل متاعٌ، أو ضاع له متاع، فوجده بيد رجل بعينه، فهو أحق به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن. رواه أحمد، وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط.
فإن لم يعرف صاحبها اجتهد في البحث عنه، فإن يئس من معرفته فليتصدق بذلك المال، وانظر الفتوى رقم: 178551.
أما بالنسبة لمن تُصُدق عليه بذلك المال: فإن كان صاحبه -أي: المال- معروفًا، فلا يحل للمتصدَّق عليه قبوله، ولا يطيب له إذا أخذه، بل يُرد إلى صاحبه كما سبق، وإن كان صاحبه غير معروف، ولم يمكن التوصل إليه، فقد قلنا إن المشتري يتصدق به، ومن ثم فلا شيء على المتصدَّق عليه في قبوله والانتفاع به حينئذ، وإذا جاء صاحبه بعد ذلك فإنه يرجع على السارق الأول إن لم يعلم من اشتراه أو تُصُدق به عليه أنه مسروق، وإلا فاختلف على أيهم يرجع؛ جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: ( و ) إن مات الغاصب أو وهب المغصوب لشخص فقبله منه فـ ( وارثه ) أي: الغاصب ( وموهوبه ) أي: الذي وهب الغاصب المغصوب له؛ حكمهما في ضمان المغصوب وغلته ( ك ) حكمه ( هو ) أي: الغاصب فيه ( إن علما ) أي: وارثه وموهوبه بغصبه؛ لأن علمهما به هو صيرهما غاصبين متعديين في استيلائهما على المغصوب. ابن عرفة فيها مع غيرها من ابتاع شيئا من غاصبه أو قبله منه هبة، وهو عالم أنه غاصب فهو كالغاصب في الغلة والضمان ( وإلا ) أي: وإن لم يعلم موهوبه بغصبه ( بدئ ) بضم فكسر ( بالغاصب ) في تغريمه قيمة المغصوب الموهوب وغلته على المشهور؛ لأنه هو المسلط له عليه، وهذا قول ابن القاسم فيها، وقيل: يبدأ بالموهوب لأنه المباشر، وقيل: يخير المالك في اتباع أيهما شاء. اهـ.
والله أعلم.