الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالغالب أن مثل هذه التخيلات تقع دون قصد من صاحبها، ولا استدعاء لها، كما يدل عليه قول السائل: (تخيل القمر في ذهنه عن غير إرادة). وإن كان كذلك؛ فلا حرج في ذلك، وهو أشبه بالوسوسة، وحديث النفس الذي يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، ومن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز عن ذلك ما لم يعمل به أو يتكلم؛ قال النووي في (الأذكار): الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل. قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرًا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر، ولا شيء عليه. اهـ.
ويؤخذ من هذا: كيفية التعامل الصحيح مع هذه التخيلات، وذلك بصرف الذهن عنها، وعدم الاستمرار عليها، ويتأكد هذا في ما يتعلق بذات الله تعالى وكيفية صفاته؛ فإن ذلك من الغيب الذي لا نعلمه، والتفكر فيه باب مزلة منهيّ عنه، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 267076، 53031، 39560.
وأما إذا تعلق الأمر بالجنة والنار وكيفية ما فيهما: فالحال في ذلك يسيرة، والمطلوب هنا هو القطع بأن حقيقة ما فيهما يخالف كل ما يأتي على الذهن من الكيفيات؛ كما قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]. وقال سبحانه في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
قال السعدي: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} يدخل فيه جميع نفوس الخلق، لكونها نكرة في سياق النفي. أي: فلا يعلم أحد {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} من الخير الكثير، والنعيم الغزير، والفرح والسرور، واللذة والحبور. اهـ. وجاء في تفسير القرآن العظيم لابن كثير: أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد. اهـ.
والله أعلم.